وهذا ما دفعني هنا إلى إعطائها نصيبها من التأني الدراسي؛ نظرا لجانبها الأقرب إلى الخطر، ولنقل الآفة الحضارية التي قد تمتد بدءا من التصور والمخيلة الذاتية إلى الجمعية المعوقة لطاقات الإنتاج ومؤسساته.
ولعله من الملفت والمفجع معا - بالنسبة لتراجيديا العقل الغيبي المتمثل في اللامعرفة - أن أقدم أشكال فكرة البركة هذه ولدت أسطوريا مع مولد إسرائيل.
ذلك أن يعقوب
2
بعد أن غافل خاله لابان بن نحور، وأخذ راحلا عنه ماشيته وزوجتيه ليئة، وراشيل التي كانت قد سرقت آلهة أبيها ومن بينها رأس آدم - أبو البشر - وجلست عليها في هودجها المقام على الجمل الذي حملها، إلى أن غافل يعقوب القافلة مترجلا عند مخاضة
3
نهر اليبوق، متربصا لروح النهر مكمن البركة ومهبط عرش الله، ومصدر كل شيء حي، إلى أن ظهر له ملاك الرب على هيئة رجل أخذ يناضله طيلة الليل في صراع، حتى إنه كسر له ضلعه وهو يقول: «لن أطلقك إن لم تباركني.» فقال له فيئيك أو ملاك الرب: «لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل.» أي ولي الله إيل المبارك.
ولعله أيضا أول ذكر لإسرائيل مرادف للبركة، التي سعى إليها ذلك التاجر السامي يعقوب أو إسرائيل وانتزعها انتزاعا.
أما الواقعة الثانية التي تبرز فكرة البركة، فمكانها بعد أن تحقق وعد الآباء في أرض إسرائيل - الولي المبارك - ووجدت أول مملكة أو دولة، والتي فيها أقدم داود على إحصاء شعبه، فكان أن عوقب - نظرا لاقتحامه الزائد المبكر المتمثل في تعداد الشعب - باللعنات الثلاث التي قد نصل بها على مستوى الاشتقاق التخميني اللغوي للبركة، أي الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحق التاريخي على تلك القصص الإسرائيلية الهابطة المغيرة، تحدوها أساطير أرض الميعاد المرادفة للبركة، التي قد نصل بها على مستوى الاشتقاق التخميني اللغوي للبركة، أي بركة - بكسر الباء - الماء وموارده كمرادف أيضا للخير؛ ومن هنا فما تزال هذه الأفكار الخرافية عن ارتباط البركة ببرك الماء الآسن المنتشرة على طول قرى البلدان العربية، والتي يتبرك بها بالفعل، وهي مصدر تخلف صحي محقق.
وتتبدى شعيرة البركة هذه خلال تبادل التحايا والأدعية : «الله يبارك فيك»، وبخاصة في المعاملات التجارية وإتمام الصفقات: «الله يباركلك، ومبروك». ومع كل جديد أو بدء أو أول، سواء حصاد المحاصيل، أو ارتداء ملابس وأحذية جديدة، كما تتبدى بكثرة في الأسماء: مبروك وبركات وبركة، وبكثرة مفرطة في الحكايات الخرافية العربية عامة والمصرية خاصة، وهي حكايات أقرب إلى المأثورات، قصيرة متماسكة محكمة التصميم والبناء.
Unknown page