1
وملغزات.
ولقد أولت المدرسة الفنلندية اهتماما ملحوظا لهذه الخصيصة الفولكلورية منذ روادها الأول، وأخصهم «إنتي آرني»، بما أسهم في بلورة منهجه الجغرافي التاريخي في دراسته للألغاز.
فاستوفى آرني معالم ومقومات هذا المنهج في بحثه عن حكايات ومأثورات الألغاز والأحجية، وما يعرف بالفوازير «وحزر فزر»، ويطلق عليه في بعض الأحيان ب «الحزر»، ويبدو أنه تعبير درج على استخدامه في معظم مجتمعاتنا العربية.
وتشير كلمة «حزر» إلى حظر بمعنى الممنوع والمحظور، والذي هو بذاته مرادف التابو، وهو - كما لاحظ آرني - سمة مشتركة في هذه الحكايات الأحجية أو المحجبة الغاصة بالتضمينات والعبارات: من شعرية لسجعية لتعاويذ غامضة، تشمل المواقف والأمكنة والأفعال المحرمة، كما يشمل نفس التحريم والحظر بالنسبة للنطق، وكذا التعامل مع ساعات النهار والليل وفصول السنة، وأيضا أطوار العمر المختلفة، خاصة ما يتصل بالأطفال الموعودين الذين يأتون الخوارق الملغزة، بل هي تصاحب مولدهم مع أشهر الحمل التسعة، ملازمة لنموهم المدهش كما حدث مع إبراهيم، ويوسف، وموسى، وسميراميس، والمسيح، وهكذا.
وإذا ما أخذنا أنموذجا لحكاية سورية، أشك في نمطيتها بقدر ما تبهرني موتيفاتها المفردة، والتي يتبدى فيها مدى حجم التابو أو المحرمات وانفراجه على طول الحكايات الشعبية بتقسيماتها المختلفة المتفق عليها ما بين حكايات فرفشة
Merrylales
وخرافات جان وحكايات طوطمية وألغاز أو أحجية يتحكم فيها التابو؛ مما دفعني إلى اعتباره - أي التابو - ملمحا جوهريا استراتيجيا أو منطلقا رئيسيا، على الأقل، فيما يتصل بفولكلورنا العربي؛ فأفردت له فصلا خاصا في كتابي «الفولكلور والأساطير العربية» (دار ابن خلدون، 1978، بيروت).
فالتابو هنا جزئية أو موتيف رئيسي مصاحب لحكايات الحزور والحكايات الملغزة التي يغلب عليها الذكاء الكوني، وكشف حجب المستقبل بل والماضي، واستجلاء أستاره وخباياه، والتطاول في إتيان أفعال معجزة، والقدرة اللامحدودة للفولكلور العربي في التصديات لتحديات التناقضات في كل من الذات والموضوع، أو الإنسان والطبيعة.
فإذا ما أخذنا حكاية سوريا العليا «قاتل التسعة والتسعين»، ومحورها طفل قدري موعود ما إن يولد حتى ينطق بالحكمة؛ ذلك أنه ينحدر - تجاوزا - من صلب أب قاتل لتسعة وتسعين نفسا، ومكتوب على جبينه أن يكمل مائة، لكن قومه قبضوا عليه وأحرقوه بالنار حتى أصبح جسده رمادا يتطاير في الهواء، ومرت فتاة هي أم هذا الطفل، وما إن ابتلعت لحسة من رماده، وتنفست هواءه حتى حملت منه، وكان أن وضعت هذا الغلام المتوقد الموعود الذي تكلم في المهد بالحكمة، إلى أن ذاع صيته ووصل إلى الملك فطلبه ليفسر له حلما رآه.
Unknown page