الهداية إلى أوهام الكفاية تأليف الإمام الشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي المتوفى سنة ٧٧٢ هـ دراسة وتحقيق وتعليق الأستاذ الدكتور مجدي محمد سرور باسلوم

20 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد، وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، اللهم إنا نحمدك على الهداية إلى ما شرعته، ونسألك القيام بالكفاية لما أودعته، ودوام الرعاية لما استرعيته، ونضرع إليك في الصلاة والسلام سرمدًا على سيدنا محمد المعصوم في القول والعمل، المحفوظ من الزيغ والزلل، وعلى آله وأصحابه تسليمًا كثيرًا، وبعد. فإن كتاب: «الكفاية في شرح التنبيه» للشيخ الإمام العلامة نجم الدين أبي العباس أحمد بن الرفعة الأنصاري- ﵁ لما برز للنواظر في قشيب جموعه رافلًا، وسطع لذوي البصائر وإن كان نجم سمائه آفلًا، اتخذه النقلة المكثرون عمدة، والنقدة المتحرون عدة، وهو حقيق بذلك، وجدير بما هنالك، إذ نهض فيه وسعى، وجمع فأوعى، وأطال واستطال، وأوسع المحال وصال، ونظر فحقق، وناقش فدقق ورجح فوضح، وجرح فأوضح، وكيف لا ولم يخرج من إقليم «مصر» بعد انقراض ابن الحداد- فيما علمناه- من الفقهاء من يساويه، ولا من بقية الأمصار بعد الرافعي من يضاهيه؟! ومن تأمل ما صنفه وجده أكثر مما صنف الشيخ محيي الدين، هذا مع ما بينهما أيضًا من التباين في دقة الأعمال وغموضها، إلا أن الكتاب المذكور مع ذلك يشتمل على جملة عظيمة من الأوهام، وما يقارب الوهم من الإطلاق والإيهام، وارتكاب دعوى نفي الخلاف وهو ثابت مستور [؟ مسطور]، أو التوقف في نقله وهو منقول، بل مشهور، حتى اتفق من الغريب وقوع الاعتراض عليه بسبب ذلك في أول شيء افتتح به كتابه وفي آخر شيء ختمه به- كما ستقف عليه- إن شاء الله تعالى- وقد وقع لي هذا النوع الغريب في ثلاثة تصانيف مما صنفته على هذا الأسلوب: أحدهما: «المهمات في شرح الرافعي، والروضة»، وهو الكتاب الذي يتعين تحصيله على كل شافعي، خصوصًا القضاة، والمفتين، والمدرسين، وقد من الله ﷾ وله الفضل بتمامه.

20 / 7

ثانيها: «التنقيح»، وهو الكتاب المشهور، الكثير الفوائد على صغر حجمه، الموضوع للاستدراك على تصحيح «التنبيه» للنووي. ثالثها: ما ذكرت، وهو هذا الكتاب. فلما رأيت الكتاب المذكور قد اتصف بما وصفناه، وائتلف كما ذكرناه، رأيت من النصح أن أنبه على ما حصل لديه من الغلطات، وأنوه بما احتمله من السقطات، ليجتنب الناظر التعويل عليها، ويتحامى المناظر الركون إليها، وذلك في الحقيقة من صلاح حال الكتاب من غير نقصان في مرتبة مصنفة بالكلية، إذ لا يتصور عادة- خصوصًا مع طول التصنيف- أن يسلم المصنف من الخطأ، والتحريف، والوقوع في مخالفة الأولى، والحود عن الطريقة المثلى، فكل مأخوذ من قوله ومتروك، ألا والسعيد من انعدت غلطاته، وانحسرت سقطاته، وقيد له من تدارك زلله وأصلح خلله، وعزمت- إن شاء الله تعالى- أن أكمل هذا الأمر المهم بفائدة يعظم وقعها، ويكثر نفعها مع قلة حجمها، ونظمها وهو ضبط ما يخشى تحريفه من الأسماء واللغات الواقعة فيه، وتفسير ما يحتاج إلى التفسير منها، فلما شرح الله- تعالى- لذلك صدري، ويسر له أمري جمعت ما حضرني من ذلك، وتيسر لي مما هنالك وسميته: «الهداية إلى أوهام الكفاية»، والله هو المسئول أن يوفقنا إلى الصواب فيه وفي سائر أحوالنا، وينفع به بمنه وكرمه. وقد ولد المصنف- ﵀ بمدينة مصر سنة خمس وأربعين وستمائة. وتوفي بها في الثاني عشر من رجب سنة عشر وسبعمائة، وقد أوضحت حاله مبسوطًا في كتاب «الطبقات» التي جمعت فيها فأوعيت، ودعوت فأسمعت- ﵁ وأرضاه- وحشرنا وإياه في دار كرامته ومستقر ورحمته، وغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وجميع المسلمين بمنه وكرمه. * * *

20 / 8

كتاب الطهارة باب المياه قوله- ﵀: الكتاب، مأخوذ من «الكتب» وهو الضم. يقال: تكتبت بنو فلان، إذا تجمعوا. انتهى. اعلم أن «الكتاب» و«الكتب» - كما قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة، وابن عصفور وغيره من النحاة-: مصدران لـ «كتب»، ثم توسعوا فأطلقوا «الكتاب» على ما وقعت عليه الكتابة، كما توسعوا فقالوا: درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، ولم يقل أحد: إن المصدر مشتق من المصدر، فكيف يصح أن يكون «الكتاب» مأخوذًا من «الكتب»؟!. قوله: والتحقيق ما قاله القاضي حسين في باب نية الوضوء: أن الطهارة الشرعية: رفع الحدث وإزالة النجس، لأن الطهارة مصدر «طهر»، وذلك يقتضي رفع شيء، والشرع لم يرد [باستعمال] «الطهارة» في غير رفع الحدث وإزالة النجس، فاختص الاسم بهما، وإطلاق حملة الشريعة «الطهارة» على ما عدا ذلك من مجاز التشبيه. ثم قال القاضي: إن الطهارة عينية وحكمية: فالعينية: ما يختص وجوبها بمحل حلولها، وهي إزالة النجاسة. والحكمية: ما يتعدى وجوبها عن [محل] حلول موجبها كالوضوء والغسل وبدلهما. انتهى ملخصًا. فيه أمور: أحدها: أن ما نقله عن القاضي الحسين من كون الطهارة رفع الحدث وإزالة النجس، غلط فاحش ليس له ذكر في الباب الذي عزاه إليه وهو باب نية الوضوء، ولا في غيره- أيضًا- بل جزم في الباب المذكور بعكسه، وهو أن التيمم طهارة، ولم يذكر ما يخالفه، فإنه قال في أول الباب ما نصه: الطهارة على نوعين: عينية، وحكمية،

20 / 9

فالحكمية: ما يتعدى وجوبها ... إلى آخر ما نقله عنه المصنف. ثم مثل للحكمية بالوضوء والاغتسال والتيمم، ولم يذكر ما يخالفه. ثم إن كلام ابن الرفعة متدافع، لأنه نفى أولًا أن يكون التيمم ونحوه طهارة، وجزم في آخر الكلام بعكسه. واعلم أن القاضي عقد أولًا بابًا في نية الوضوء، وبعده بابًا في سننه، وأراد ابن الرفعة الأول لا الثاني، فإن الثاني ليس فيه شيء من ذلك الكلام بالكلية، وأما الأول ففيه بعض ما ذكره كما سبق، فاعلمه. الأمر الثاني: أن «الطهارة» ليست من قسم الأفعال، لأنها مصدر «طهر» - بضم الهاء- وليست بمصدر لـ «تطهر»، فإن قياسه: «التطهير» - بفتح الطاء وضم الهاء- ولا لـ «طهر» مشدد الهاء، فإن قياسه «التطهير». وأما «الرفع» فمن قسم الأفعال، إذ هو مصدر «رفع»، وحينئذ فلا يصح تفسير أحدهما بالآخر. الثالث: أن الطهارة قد توجد حيث لا فعل بالكلية كما في الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا، فلو عبر بالارتفاع لخلص من هذين: الرابع: أن ما ذكروه في التيمم من عدم التسمية والرفع مردود، ففي الحديث الصحيح: «وترابها طهورًا)، ولهذا قال الشافعي: طهارتان، فلا يفترقان وفي هذا رفع وهو امتناع الصلاة، بخلاف الأغسال المستحبة، وستعرف- أيضًا- شيئًا من هذا الكلام في باب الأذان، فراجعه. قوله: واقتضى الفصل جوازه بما نزل من السماء وهو المطر وذوب الثلج والبرد، أو نبع من الأرض وهو ماء البحار وماء الآبار وماء الأنهار. انتهى. أهمل- ﵀ من ماء الأرض رابعًا وهو الأعين. قوله: نعم، لا يكفي في رفع الحدث وإزالة النجس إمرار الثلج والبرد على المغسول من الأعضاء ما لم يكن الهواء حارًا، فيذوب حالة الإمرار ويجري عليها، ويكفي في الممسوح منها، وفي «الحاوي» وجه آخر: أنه لا يكفي فيها- أيضًا- لأنه لا يعد ماسحًا. انتهى كلامه. وما نقله عن «الحاوي» من أنه لا يكفي في المسح- أيضًا- على وجهٍ، غلطٌ سببه: انعكاس كلام «الحاوي»، عليه فإنه قد قال ما نصه: فأما إذا أخذ الثلج فدلك به أعضاء طهارته قبل ذوبانه وانحلاله: فإن كان المستحق في العضو المسح كالرأس أجزأه، لحصول المسح به، وإن كان المستحق به الغسل لم يجز، لأن حد الغسل: أن

20 / 10