الأحد 8 يوليو
ذهبنا صباحا إلى مكتبة «شهيد علي» فوجدنا المكتبة غنية بالكتب القيمة المخطوطة، ولكن - مع الأسف - وجدنا الرطوبة قد أثرت فيها بشكل عرضها للتلف، وعلمنا أن سبب ذلك أنها أغلقت أربع عشرة سنة لأن جاسوسا أخبر السلطان عبد الحميد أنه يجتمع قوم يتكلمون في السياسة.
وكان أمين المكتبة أفغانيا فتحدثنا عن السيد جمال الدين الأفغاني واستفسرنا منه عن موقع قبره في الآستانة، فأرشدنا إليه، فذهبنا عصرا إلى جهة يقال لها «متشكه»، وصلنا إليها بالترام وتصل لها الباخرة أيضا لأنها قريبة من محطة «برجة السراي» قريبا من مدخل البسفور. رأينا مقبرة قريبة من البحر تبلغ نحو خمسين مترا في مثلها، وقد سورت بسور له باب، سألنا البواب عن مقبرة الشيخ جمال الدين فلم يعرف، ولكنه أحضر لنا شيخ المقبرة فسألناه فدلنا على القبر. قبر عادي ليس فيه ضريح ولا حوله بناء، ويظهر أنهم عند دفنه تعمدوا ألا يشيدوا بذكره، وأن يدفنوه كما يدفن أي رجل عادي، ولكن أخيرا وضع على القبر تركيبة من الرخام حولها سور صغير من حديد وقرأنا على التركيبة اسم الشيخ جمال الدين وتاريخ ولادته ووفاته، وفي ناحية أخرى سطران تركيان ترجمتهما: «أنشأ هذا المزار الصديق الحميم للمسلمين في أنحاء العالم، الرجل الخير الأمريكاني المستر تشارلس كرين سنة 1926».
وقفنا عند قبر الأستاذ نستحضر حياته وثورته وجهاده وأنه أول من بذر نواة الإصلاح في مصر، فتأثرت نفوسنا بذكراه وقرأنا له الفاتحة وترحمنا عليه وفارقناه ونفوسنا مملوءة بالذكريات.
وقد كنا سألنا الشيخ الأفغاني - خازن مكتبة شهيد على - عن قبر عبد الله نديم فأخبرنا أنه في جهة «بكطاش» ولكن لا يدري بالضبط موضع دفنه.
الخميس 12 يوليه
ذهبنا صباحا إلى القنصلية المصرية وودعنا من فيها، ثم ذهبنا إلى جامع بايزيد وتغدينا في مطعم بجواره بدعوة من علي بك فوزي ثم ودعناه وداعا مؤثرا، فقد كان الرجل قد وجد فينا أنسا من وحشته ورائحة من وطنه في غربته. فلما استأذناه في السفر قال: إنكم تستأذنونني في فقد حياتي، فدمعت عيني سماع هذه الجملة.
والرجل - من غير شك - شخصية غريبة لم أر مثلها، يحب بلده مصر من صميم قلبه، ويحب المسلمين ويرثي لحالهم، ويتدين تدينا مزيجا من قلبه وعقله، فهو يصوم مثلا على طريقة خاصة، فيفطر على كوب من اللبن عند شروق الشمس، ولا يحرم عليه الماء، ويبقى على ذلك إلى موعد الإفطار، فيفطر، ويعني بصيامه عدم كثرة الأكل، والامتناع عن أكل الأشياء الدسمة، والامتناع عن الأقوال والأعمال المؤذية.
ومما دعاه إلى ذلك أنه كان يسكن في إستامبول، فوق جماعة من الإفرنج، يخشى إن هو تسحر في رمضان أن يزعجهم بحركاته، فهو يصوم هذا الصيام الذي ذكرنا من غير سحور.
أهداني يوم وداعه مجلة إنجليزية كان يصدرها عنايت خان في سويسرة في التصوف، يدعو فيها إلى التصوف العام من غير تقيد بتفاصيل دين خاص، ولذلك كان من أعضائها المسلم واليهودي والنصراني.
Unknown page