Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
نهضة الشرق الحديثة تبدأ في أول القرن الرابع عشر الهجري (القرن العشرون للمسيح).
ومن العجيب أن تطبيق هذه النظرية صحيح في حياة الأمم إذا أخذت على انفراد، فإن أيرلندا بقيت تحت حكم الإنجليز سبعمائة عام ثم تحررت، ومضى على حكم الملوك في بريطانيا سبعة قرون، ودولة الفرس دامت سبعة قرون، وعظمة اليونان الحربية والبحرية وعهد الفلسفة فيها داما سبعمائة سنة، وقد وصل الشرق العربي إلى نهاية ضعفه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهما القرنان المكملان لعهد الهبوط.
الفصل الثالث
بعض أسباب تأخر الإسلام وبعض شعوب الشرق
تأخر الإسلام
كانت أعظم ظواهر الانحطاط في الشرق انتشار الجهل وسيادة الاستبداد وموت الأخلاق الفاضلة من النفوس، وصارت الحكومات الإسلامية مطايا للفوضى والاستبداد والاستغلال، وحل محل الخلفاء والأمراء العلماء العادلين فلول الموغول وملوك الأتراك الظالمين. وحتى العقيدة الدينية تضعضعت في النفوس، فملأت الخرافات عقول الناس وقلوبهم، وأصبح الشرق في دينه أسيرا لقشور الطرق الصوفية وفي أخلاقه أسيرا للمخدرات كالخمر والأفيون والحشيش. ولا شك أن المصلحين ومحبي الخير للإسلام قد ظنوا في تلك الفترة أن الإسلام قد اعتراه خمود يشبه الموت لا سيما وأن كثيرين من النقاد الأجانب كانوا يقولون إن الإسلام بطبيعته غير قابل للإصلاح وغير مستعد للتمشي مع روح العصر، وهؤلاء ينقسمون بطبيعتهم إلى مبشرين مأجورين على محاربة الإسلام وإلى ملحدين أوروبيين يحاربون الإسلام كما يحاربون غيره من الأديان ضاربين صفحا عن آثاره في المدنية، ومن رجال استعمار يحاولون إضعاف الأمم التي تدين بالإسلام ليتمكنوا منها ويحكموها، فكل من قال بأن الإسلام دين تأخر أو غير قابل للحضارة من الإفرنج هو مغرض بلا ريب ولا يمكن الأخذ برأيه ولا يجوز التعويل عليه.
غير أن الأجنبي عن الإسلام لو أخذ بظواهر الأمور لاضطر للاعتراف بأنه حدثت فعلا فترة سكون وجمود تشبه الموت، فقد ساد النقل وضعف العقل وصار القول الذي عليه المعول هو النصوص الجامدة، وفي الوقت نفسه انتشر العداء للحرية الفكرية والعلوم الطبيعية الصحيحة. ولكن هذه الحالات كلها قد ظهر ما يماثلها أو يفوقها في أمم أوروبا ولم يهدمها ولم يكن عائقا لها عند النهوض، وكأن النقاد جميعا سواء أكانوا مخلصين أو غير مخلصين قد فاتتهم تلك المسألة، فإنه إذا آن أوان النهضة الصحيحة في أمة لم يكن الدين حجر عثرة في طريقها ولم يكن علة فشلها، لأن الدين في الواقع كما أثبتنا مرات عدة لا يؤثر في نهضة الأمة، وقد قال إسماعيل حامد المصلح المغربي من الجزائر: «إن مدنية الأمم لا تقاس بما في كتبها الدينية، بل معيارها الصحيح هو ما تنهض به تلك الأمم من الأعمال.»
وعلى الرغم من ضيق الأحوال في الشرق واشتداد السواد والظلام في أيامه، فإنه لم يخل تاريخه من المصلحين الأحرار الذين انتشروا في أنحاء ممالكه. ويظهر أن مسلمي الهند هم أول من بدأوا بالنهضة، فبدأوا بحركة التعليم على يد سيد أحمد خان مولولي، وما زالت تلك الحركة نامية إلى عهد الشقيقين المعروفين المرحوم مولانا محمد علي وأخيه شوكت علي،
1
وقد توفي محمد علي في لندن في سنة 1931 أثناء المؤتمر الهندي ودفن بالمسجد الأقصى في رمضان سنة 1349، وطاف أخوه بعده بعض الأقطار الإسلامية قبل عودته إلى الهند. أما السيد أحمد خان فقد أنشأ كلية عليكره الشهيرة، وكان المصريون يكتتبون لها في أوائل هذا القرن وتنشر أسماء المكتتبين في جريدة المؤيد في عهد الشيخ علي يوسف، وقد روى عنه المرحوم بلنت في كتابه «الهند في عهد ريبون»، طبع لندن 1909 ص118 وما بعدها، أن سيد أحمد خان أراد أن يكون التعليم في مدرسته بالأوردي ثم عدل عن ذلك إلى الإنجليزية، وليس في المدرسة أو الكلية تعليم ديني، وقد بدأ أحمد خان حياته سنيا ثم صار وهابيا ثم عاد ربانيا. وقد زار بلنت كلية عليكره وأعجب بها كثيرا، وكان السيد أحمد خان انتخب لها مديرا إنجليزيا اسمه مستر بيك، ونجح بيك في أعماله نجاحا عظيما، وتوفي في أوائل القرن العشرين بعد أن عمل نحو ربع قرن في خدمة الكلية. وكان أحمد خان في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر - حوالي 1865 - أول من حث المسلمين على قراءة كتب أوروبا والانتفاع بما فيها من العلوم الحديثة اقتداء بالعرب في صدر الإسلام، فإنهم لم يأنفوا أن ينقلوا عن اليونان علومهم وهم وثنيون وتعاليمهم تخالف الكتب المنزلة. ولم يكن مسلمو الهند مقصرين في هذا السبيل، فقد ظهر منهم نوابغ أمثال السيد أمير علي مؤلف كتابي «روح الإسلام» و«المرأة المسلمة» وهما من أنفع الكتب وأفضلها، وقد عين في آخر عمره عضوا في مجلس الملك الخاص بلندن بعد أن تقلد القضاء الأعلى في بلاده أعواما، ومنهم شيراغ علي وكان كاتبا قديرا بالإنجليزية ويعد زعيم حزب المجددين في الهند، وكان يرى أن روح الإسلام بعيد عن الجمود وتقييد العقل، وأن القرآن كتاب هداية للمسلمين وليس عثرة في تقدمهم.
Unknown page