Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
الوهابيون يهاجمون الحجاز بأمر من؟
وفي هذه اللحظة نفسها التي كان يحلم فيها الحسين بخلافة العباسيين والسيادة على سائر المسلمين في أنحاء الأرض كان جيش من الوهابيين مؤلف من 15 لواء يزحف على الطائف، وقد هزم جيش الحسين أولا في الحوية، ثم سار الأمير علي الذي صار فيما بعد ملكا إلى الطائف ثم خرج منها، وفي 7 سبتمبر 1924 دخل الوهابيون الطائف فاتحين وذلك بعد مبايعة الحسين بالخلافة بثمانية أشهر، وقد أتى بعض الوهابيين الحفاة العراة السلابين النهابين القساة من ضروب الفتك والقتل والخطف في مدينة الطائف أمورا بشعة، ولا غرابة فهم يعتبرون المسلمين من غير الوهابيين أعداء لهم ألداء، وترى الوهابي يفضل المسيحي واليهودي على العربي السني، ويقولون: إن المسلمين الذين لم يتوهبوا «إنهم لا يزالون في الجاهلية»! فهم يعتبرون الإسلام على حالته الحاضرة جاهلية بالنسبة لعقيدتهم، ولذا فقد انتقموا من أهل الطائف شر انتقام. ونحن نعتقد أن دماء القتلى واقعة على رأس الحكومة الحسينية، فقد بقي الحسين مستقلا تسع سنوات واستولى على القناطير المقنطرة من الذهب، وهو مع ذلك لم يعمل عملا صالحا لوقاية هذه الأسر والبيوت المطمئنة في مدن الحجاز، وكان فعله وفعل أولاده في أوائل الثورة المنحوسة أنهم أهلكوا المدينة والطائف لأنهما كانتا في أيدي الترك، وحل بنسائهم وأولادهم وبأعيان البلاد ما حل. والآن جاء دور الانتقام فترى سلطان بن بجاد وخالد بن منصور وأمير الخرمة، وهما من قواد الإخوان، يمثلون الدور الذي مثله فيصل وعلي وعبد الله في سنة 1917 فكانت ساعة الهول والفجع، فإن بعض الوهابيين الذين ادعوا الإيمان كانوا يدخلون البيوت بعد تأمين أصحابها ثم يقتلونهم وينهبونها، ولم يفرق هؤلاء الأوغاد بين عربي وأجنبي فامتدت أيديهم بالقتل والنهب إلى الهنود والجاويين، وقد أظهر الملك عبد العزيز أسفه فأمر بتأليف لجنة للتعويض على الضحايا. وقد قتلوا الشيخ الزواوي مفتي الشافعية، وروى شاهد عيان أنه رأى بعض الوهابيين يقتلون امرأة وطفلها وهي تحتضنه. وقتلوا أولاد الشيبي سادن الكعبة انتقاما من أبيهم الشيخ عبد القادر.
وقد اضطر الشيبي أن يمثل دورا محزنا لينجو من القتل، فقد قبضوا عليه وهو أعزل واستلوا سيوفهم لقتله فبكي، فقال أحدهم:
وليس تبسي يا تسافر؟
أي ولماذا تبكي يا كافر؟
أجاب الشيخ: «أبكي والله من شدة الفرح، لأني قضيت حياتي كلها في الشرك والكفر ولم يشأ الله أن أموت إلا مؤمنا موحدا! الله أكبر، لا إله إلا الله.» فتركوه. ولما دخل سلطان بن بجاد الطائف طرد الناس من بيوتهم وساقهم إلى حديقة شبرا وحبسهم ثلاثة أيام وبعد أن نهب منازلهم وكنوزهم وأسلحتهم أطلق سراحهم!
وقد حاول الحسين وولده علي استرجاع الطائف ومقاومة الإخوان فهزم جيشهما في «الهدى» في أواخر سبتمبر سنة 24. ومن العجب أن كثيرين من عرب الحجاز واسمهم «المتدينة» بالنسبة إلى الإخوان، وكثيرين من جنود الجيش العربي قد شقوا عصا الطاعة على الحسين وأهله وانضموا إلى الوهابيين، وذلك فرارا من الظلم والاستبداد وضيق العقل وسخافة الآراء. ولم يكن هؤلاء اللاجئون المساكين ليلتمسوا الرحمة من ألد أعدائهم إلا لعلمهم بأن الظلم أشد من العداوة وتحمل لؤم الحاكم القومي أقسى على النفس من ذل التسليم للفاتح الأجنبي. ولعنة الله على أهل اللؤم وأهل الظلم أجمعين!
من أكتوبر 1917-أكتوبر1924
ومما يدل على عقلية الحسين أنه كان يعتقد أن في إمكانه طرد ابن سعود من الطائف ومن الحجاز، وطالما قال إن ابن سعود أمير من الدرجة الخامسة بين أمراء العرب. وفي الوقت الذي كان الحسين يرتب درجات الأمراء الذين انتصروا عليه وعلى جيشه اجتمع لفيف عظيم من الأعيان والأشراف والتجار واللاجئين من المدن المأخوذة (3 أكتوبر 1924) وطلبوا من الحسين أن يتنازل عن الملك لولده علي. ودارت بين الحزب الوطني الذي تألف في جدة وبين الحسين مراسلات مضحكة مدارها رغبة الحسين عن تعيين علي خلفا له، ولكنه في 25 ربيع أول 1343 قبل، وفي اليوم التالي بويع علي ورجع إلى مكة، وفي 9 أكتوبر سنة 1924 وصلت إلى جدة القافلة الحسينية التي تحمل أمتعة الخليفة المخلوع والملك المعزول والمنقذ الذي نفر شعبه من إنقاذه ، وفيها عشرون جملا تحمل أربعين صفيحة من صفائح البترول مملوءة ذهبا أي حوالي 160 مائة وستين ألف جنيه.
وأقام الحسين أسبوعا في جدة إلى 16 أكتوبر سنة 1924 (سبع سنوات بالدقة بعد تسلمه كتاب مكماهون)، وفي تلك الليلة نزل إلى البحر هو وحرمه وعبيده، وكان نزوله إلى اليخت الذي اشتراه وأطلق عليه اسم الرقمتين، وكان يعده حتما لهذه السفرة الأخيرة.
Unknown page