واجتمع رأي طائفة من رجالات مصر على أن يكون لهذه النهضة نشيد يعبر عن أمانيها وغايتها، ويكون أغنية كل مصري، تجتمع عندها خواطر نفسه، وخلجات فكره، وهمسات قلبه، فيكون صوتها من صوته، ولحنها من أحلامه، وبيانها من معاني نفسه.
وتلفت الناس يفتشون عن ذلك الشاعر الموهوب الذي يؤملون أن تتحدث الأمة بلسانه وتهتف بشعره، وسمت لجنة النشيد جائزة وضربت أجلا ...
وتبارى الشعراء في الافتنان والإجادة، وتقدم كل شاعر ببضاعته، وتقدم الرافعي فيمن تقدم، ولكن اثنين لهما مكانهما وخطرهما بين شعراء العصر لم يتقدما بشيء إلى لجنة النشيد، هما: «شوقي» أمير الشعراء، و«حافظ» شاعر النيل. أما حافظ فلأنه من المحكمين في اختيار النشيد، وأما شوقي ... فمن يدري.
وكان على رأس «لجنة النشيد» الوزير العالم الأديب، الأستاذ جعفر والي،
2
فكأنما عز عليه أن ينتهي الأجل المضروب فيتقدم الرافعي، ويتقدم الهراوي، ويتقدم عبد الرحمن صدقي، ويتقدم غير هؤلاء ممن يقول الشعر، وممن لا يحسن إلا أن يزن فاعلاتن ومفعولاتن على كلام، ولا يتقدم شوقي وحافظ.
ونسأت اللجنة الأجل المضروب، وسعى الساعون إلى الشاعرين الكبيرين ليحملوهما على الاشتراك في المباراة، فأما حافظ فأصر وأبى، وأما شوقي ... يرحمه الله، لقد كان حريصا على أن يقول الناس في كل مناسبة، لقد قال شوقي ... ولكن ماذا يقول في ذلك اليوم؟
وكان لشوقي نشيد أنشأه منذ عهد لتفتتح به «فرقة عكاشة» موسمها التمثيلي ، فماذا عليه لو تقدم بهذا النشيد القديم إلى لجنة المباراة؟
وتقدم شوقي إلى اللجنة بنشيده المشهور:
بني مصر مكانكمو تهيا
Unknown page