إن معركة تدور رحاها بين العقاد والرافعي جديرة بأن يحتفل لها الأدباء، وأن تنال من اهتمامهم أوفى نصيب، وإن لهم فيها لمتاعا ولذة وفائدة، وما كان لي أن أقنع وقد هجت هذه المعركة بما فيها من متاع ولذة وفائدة بأن تنتهي من أول شوط!
وقال لي الرافعي: «هل توافيني الليلة لأملي عليك؟»
فواعدته، وذهبت إليه في المساء فأملى علي فصلا من نسخته الخاصة لكليلة ودمنة بعنوان «الثور والجزار والسكين!» ثم أتمه مقالا في الرد على العقاد، وكان فصلا قاسيا عنيفا، ليس من مذهب المقال الأول ولا نهجه؛ إذ لم يكن المقصود به النقد وحسب، بل الرد والسخرية والإيلام، ثم قطع السبيل وتدعيم الدليل وتقرير المعنى فيما قدم من مواضع النقد.
ثم رد العقاد ليعلن انسحابه من المعركة شاكرا اللذين أيدوه، معتذرا من عدم الاستمرار في مناقشة دعوى الرافعي! واستمر الرافعي يكتب حتى فرغ.
وكان النصر للرافعي عند طائفة، ولكن خسر عطف الآلاف من أصدقاء العقاد الكاتب الوطني الكبير؛ إذ لم يروا عداوة الرافعي له في الأدب إلا دسيسة سياسية من خصوم العقاد! •••
وانتهت المعركة الأخيرة بين الرافعي والعقاد، ولكن الرافعي لم يقتنع بما نال من النصر عند الصفوة من القراء الذين يفرقون بين الأدب والسياسة؛ إذ كان على يقين أنه وإن كانت له الغلبة، قد خسر أكثر الطائفتين من قرائه؛ لأنهم على مذهب العقاد السياسي، فظل مغيظا محنقا إلى حين ...
ومضت سنتان، وتقلبت السياسة المصرية من تقلباتها، فإذا العقاد الذي كان كاتب الوفد الأول خارج على الوفد، يطعن عليه وعلى رئيسه، وأنصار الوفد ما يزالون إلى يومئذ أكثر الأمة ... ووجد الرافعي الفرصة سانحة لينتقم، وليستخدم السياسية في النيل من خصمه في الأدب فيكيل له صاعا بصاع ويحاربه بمثل سلاحه، فكتب مقالا بغير توقيع في كوكب الشرق، جريدة الوفد، بعنوان «أحمق الدولة»، وكان مقالا له رنين وصدى ...
ونشر في «الرسالة» يومئذ كلمات تحت عنوان «كلمة وكليمة» عرض فيها بالعقاد الخارج على الوفد تعريضا أليما يؤذيه، لم يتنبه له إلا القليل.
وكان مقاله عن العقاد في كوكب الشرق، وكليماته في الرسالة، سببا في أن يدعوه الأستاذ توفيق دياب ليحرر في «الجهاد» بأجر كبير، ولكن لم يتم بينهما اتفاق.
ولم تكن تسنح للرافعي سانحة لغيظ العقاد إلا انتهزها، فما كتب الرافعي عن شاعر من الشعراء بعد ذلك إلا جعل نصف كلامه تعريضا بشعر العقاد، ومن ذلك ما كتب عن الشاعر المهندس علي محمود طه في المقطم، وما نشره عن الشاعر محمود أبو الوفا في الرسالة، ومقالته «بعد شوقي» معروفة مشهورة، وكلها تعريض بشعر العقاد الذي نحله الدكتور طه حسين إمارة الشعر في يوم من الأيام بعد شوقي! •••
Unknown page