بلبال!
ويزيد البرج بلبالا خليط الأصوات المنبعثة من طغمة الدعاة المأجورين المسخرين لخدمة الدسائس الأجنبية ...
فمن هؤلاء من كان يضرب المعول في أركان الدولة العثمانية جاهدا مكابرا باسم الإصلاح، والثورة على الاستبداد، وهو في باطن الأمر صنيعة للدول وسمسار من سماسرة الاستعمار الذين يقصدون في الواقع إلى هدم الإسلام، وتمكين المستعمرين من الدولة المستقلة الباقية بين بلاد المسلمين ...
ومن هؤلاء من كان يعلن الغيرة على حقوق مصر والدولة العثمانية، وهو في باطن الأمر صنيعة السياسة الفرنسية في الشرق يناوئ الاحتلال بأمرها، ويورط البلد في المشكلات تحقيقا لمآربها ...
ومنهم من كان يثير دعوة الجامعة الإسلامية؛ ليتخذها وسيلة إلى إيقاع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، تأييدا لدعوى الدول التي تستفيد من تهمة التعصب الديني، وتلوح بها لإقناع الأجانب بحاجتهم الدائمة إلى الحماية من دولة أوروبية ...
ومنهم من كان يطلب الدستور، ولكنه لا يطلبه حبا للحرية، ولا إنصافا للأمة، بل تعزيزا لسلطان الخديو ... وتمهيدا لإطلاق يده في ميزانية الدولة ووظائف الحكومة بمعزل عن دار المندوب البريطاني ومستشاريها في الدواوين ...
بلبال، وأي بلبال! ...
وأشد منه اختلاطا بلبال آخر في ميدان الفكر والثقافة، ويضطرب فيه القول بين تفكير من يعجب بالثقافة الحديثة، وبين اتهام من يزدريها بالجهل المطبق والبهيمية العجماء، وسوف نعرض لهذا البلبال الفكري في مكانه من الفصول القادمة؛ لأننا نبدأ بالكلام عن الصحافة وموضوعاتها الغالبة عليها قبيل اشتغالي بالتحرير فيها، ثم نقفوه بالكلام على غيره من الموضوعات.
بلبال يهون إلى جانبه ضوضاء برج بابل ... فأين يذهب الطفل الناشئ في دروب هذا التيه وزواياه بين مهابطه ومراقيه ...؟!
وأنا في السادسة عشرة!
Unknown page