199

لم نطل الوقوف عند وفود العرب إلى النبي كما فعل بعض الأقدمين من كتاب السيرة ، لتشابه أمرهم في الانضواء تحت راية الإسلام. ولقد أفرد ابن سعد في طبقاته الكبرى لوفادات العرب على الرسول خمسين صفحة كبيرة، نكتفي بأن نذكر منها أسماء القبائل والبطون التي أوفدتها. فقد جاءت وفود من: مزينة، وأسد، وتميم، وعبس، وفزارة، ومرة، وثعلبة، ومحارب، وسعد بن بكر، وكلاب، ورؤاس بن كلاب، وعقيل بن كعب، وجعدة، وقشير بن كعب، وبني البكاء، وكنانة، وأشجع، وباهلة، وسليم، وهلال بن عامر، وعامر بن صعصعة، وثقيف. وجاءت وفود ربيعة من: عبد القيس، وبكر بن وائل، وتغلب، وحنيفة، وشيبان. وجاء من اليمن وفد من طيئ، وتجيب، وخولان، وجعفي، وصداء، ومراد، وزبيد، وكندة، والصدف، وخشين، وسعد هذيم، وبلي، وبهراء، وعدرة، وسلامان، وجهينة، وكلب، وجرم، والأزد، وغسان، والحارث بن كعب، وهمدان، وسعد العشيرة، وعنس، والداريين، والرهاويين (حي من مذجح)، وغامد، والنخع، وبجيلة، وخثعم، والأشعرين، وحضرموت، وأزد عمان، وغافق، وبارق، ودوس، وثمالة، والحدان، وأسلم، وجذام، ومهرة، وحمير، ونجران، وجيشان. وكذلك لم يبق في شبه الجزيرة بطن أو قبيلة حتى أسلم إلا من قدمنا.

وكان ذلك شأن المشركين من أهل شبه الجزيرة؛ سارعوا إلى الدخول في الإسلام، وتركوا عبادة الأوثان. وتطهرت بلاد العرب جميعا من الأصنام وعبادتهم، وتم ذلك كله بعد تبوك طواعية واختيارا، من غير أن تزهق نفس أن يهراق دم. فماذا صنع اليهود والنصارى مع محمد، وماذا صنع محمد معهم؟

الفصل التاسع والعشرون

حجة الوداع

(محمد وأهل الكتاب - موقفه من النصارى - مجادلته إياهم - وحدة موقف محمد منهم - بعث علي بن أبي طالب إلى اليمن - دعوة محمد الناس للحج ومجيئهم إلى المدينة من كل صوب - مسيرتهم في نحو مائة ألف إلى مكة - مناسك الحج - خطبة محمد) ***

منذ تلا علي بن أبي طالب صدر سورة براءة على الحاج من مسلمين ومشركين، حين حج أبو بكر بالناس، ومنذ أذن فيهم بأمر محمد حين اجتمعوا بمنى أن لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله

صلى الله عليه وسلم

عهد فهو له إلى مدته، أيقن المشركون من أهل بلاد العرب جميعا أن لم يبق لهم إلى المقام على عبادة الأوثان سبيل، وأنهم إن يفعلوا فليأذنوا بحرب من الله ورسوله. وكان ذلك شأن أهل الجنوب من شبه جزيرة العرب حيث اليمن وحضرموت؛ لأن أهل الحجاز وما والاها شمالا كانوا قد أسلموا واستظلوا براية الدين الجديد. وكان الأمر في الجنوب مقسما بين الشرك والمسيحية.

فأما المشركون فأقبلوا كما رأيت من قبل، يدخلون في دين الله أفواجا ويبعثون وفودهم إلى المدينة فيلقون من النبي كل حفاوة بهم تزيدهم على الإسلام إقبالا وترد أكثرهم إلى إماراته فتجعله أشد على دينه الجديد حرصا. وأما أهل الكتاب من اليهود النصارى فقد نزلت فيهم مما تلا علي من سورة التوبة هذه الآيات:

قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .

Unknown page