189

وانقطع النبي عن نسائه شهرا كاملا لا يكلم أحدا في شأنهن، ولا يجرؤ أحد أن يفاتحه في حديثهن. وفي خلال هذا الشهر اتجه بتفكيره إلى ما يجب عليه وعلى المسلمين للدعوة إلى الإسلام، ولمد سلطانه إلى ما وراء شبه الجزيرة. على أن أبا بكر وعمر وأصهار النبي جميعا كانوا في قلق أشد القلق على ما قدر مصيرا لأمهات المؤمنين، وما يتعرضن له من غضب رسول الله، وما يجر إليه غضب الرسول من غضب الله وغضب ملائكته، بل لقد قيل: إن النبي طلق حفصة بنت عمر، بعد الذي كان من إفشائها ما وعدت أن تكتمه. وقد سرى الهمس بين المسلمين أن النبي مطلق أزواجه . وأزواجه خلال ذلك مضطربات نادمات، أن دفعتهن الغيرة إلى إيذاء هذا الزوج الرفيق بهن، هو منهن الأخ والأب والابن وكل ما في الحياة وما وراء الحياة. وجعل محمد يقضي أكثر وقته في خزانة له ذات مشربة، يجلس غلامه رباح على أسكفتها

5

ما أقام هو بالخزانة، ويرقى هو إليها على جذع من نخل هو الخشونة كل الخشونة.

وإنه لفي خزانته يوم أوفى الشهر الذي نذر فيه هجر نسائه على التمام، وقد أقام المسلمون بالمسجد مطرقين ينكتون الحصى ويقولون: طلق رسول الله

صلى الله عليه وسلم

نساءه، ويأسون لذلك أسى يبدو على وجوههم واضحا عميقا، إذ قام عمر من بينهم فقصد إلى مقام النبي بخزانته، ونادى غلامه رباحا كي يستأذن له على رسول الله. ونظر إلى رباح يروم الجواب، فإذا رباح لا يقول شيئا علامة أن النبي لم يأذن. فكرر عمر النداء؛ ولم يجب رباح مرة أخرى. فرفع عمر صوته قائلا: «يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله

صلى الله عليه وسلم

فإني أظنه ظن أني جئت من أجل حفصة. والله لئن أمرني بضرب عنقها لأضربن عنقها.» وأذن النبي، فدخل عمر فجلس ثم أجال بصره فيما حوله وبكى. قال محمد: ما يبكيك يا بن الخطاب؟ وكان الذي أبكاه هذا الحصير الذي رأى النبي مضطجعا عليه وقد أثر في جنبه، والخزانة لا شيء فيها إلا قبضة من شعير ومثلها من قرظ وأفيق

6

معلق.

Unknown page