Hayat Ibn Khaldun
حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية
Genres
وتعرض الشيخ ابن حجر لشعر ابن خلدون وقال: إنه لم يكن ماهرا في النظم، وكان يبالغ في كتمانه، مع أنه كان جيدا لنقد الشعر. وعدم مهارته في الشعر مسلم؛ على معنى أنه لم يصل إلى درجة من أفرغوا جهدهم في هذه الصناعة وأصبحوا لا ترى تراجمهم إلا في طبقات الشعراء. وقد أريناك من شعره مثلا يشهد بأن له قوة شاعرية فطرية؛ وهو المثل الأعلى لشعر من انصرف بهمته إلى التضلع من العلوم النقلية والنظرية، ثم مد يده إلى الشعر على وجه التحلي بفن من فنون الأدب الجميلة. (32) مثل من فلسفته الاجتماعية
لابن خلدون في الاجتماع والسياسة آراء سامية، استمدها من مطالعاته الواسعة في التاريخ، ومشاهداته أزمان الرحلة؛ إذ تقلب في أمم، ودخل في أحشاء دول. ولنسق إليكم أمثلة من فلسفته الاجتماعية التي لها مساس بمشروع جمعية أدبية كجمعية تعاون جاليات إفريقية الشمالية ...
المغلوب مولع بتقليد الغالب
يقول ابن خلدون: إن المغلوب «مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده»، وعلل هذا بأن النفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه؛ إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو بما تغالط به نفسها من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب. وهذه نظرية صحيحة، وعلتها ظاهرة، وهي مطردة في الأقوام الجاهلة والشعوب التي يلقى حبلها على غاربها فتأخذ في تقليد الغالب والتشبه به في الشعار والعادات، وتفرط في ذلك حتى تندمج في بني جنسه، وتفنى في قبيل عنصريته.
فجدير بزعماء الشرق ودعاة إصلاحه اليوم ألا يدعوا النشء منهمكا في تقليد الأمم الغربية، ويحق عليهم أن ينعموا النظر في أحوالها ومظاهر مدنيتها، ويميزوا بين ما كان من أسباب رقي حالتها الاجتماعية وانبساط يدها إلى القبض على أزمة السياسة في الشرق، فيحرضوا الشرقيين على اقتباسه وإضافته إلى وسائل حضارتهم، وما كان من الأوضاع المنكرة، أو أنه كان ناشئا عن عادة ولدتها البيئة الخاصة، ضربوا عنه صفحا، وأنذروا الشرق عاقبة الاقتداء به.
وفحص أحوال تلك الأمم وتمييز طيبها من خبيثها يحتاج إلى نظر حكيم، وذوق سليم؛ فقد يجد الناظر ما قد يكون نافعا في أوطانهم، ولكن عمله في بلادنا اليوم ضرر محض. ومن أمثلة هذا إضراب التلاميذ عن الدروس؛ احتجاجا على قضية سياسية، فهذا النوع من الإضراب قد يلتجئ إليه تلاميذ دولة مستقلة حريصة على ترقيتهم في العلوم والفنون؛ فيكون نافعا لهم، وذريعة لنجاح مطلبهم، ولكن الدولة الأجنبية لا يسوءها أن ينقطع أبناؤنا عن التعلم ليالي وأياما، بل يرتاح ضميرها إلى أن تغلق المدارس أحقابا؛ حتى يتسنى لها أن تسوقهم كالأنعام إلى حيث تشاء.
الأمة المغلوبة يسرع إليها الفناء
يقول ابن خلدون: «إن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء» وجعل العلة في هذا ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها، وصارت بالاستعباد آلة لسواها، فيقصر الأمل، ويضعف التناسل، والاعتماد إنما هو عن جدة الأمل، وما يحدث عنه من النشاط في القوة الحيوانية.
وهذه النظرية حادثة، وعلتها معقولة، فيتحتم على زعماء الشعوب المغلوبة للأجنبي أن يعالجوا هذا الداء القاتل للأمم الجاهلة بما يبثونه فيها من أمل الخلاص، ويضربوا لها الأمثال بالأمم التي تخلصت من سلطة الغريب؛ مثل: اليونان، وبلغاريا، ورومانيا، وأمريكا. ويعلموها أن وسيلة النجاة منافسة الغالب في أسباب القوة من المال والعلم والاتحاد، ويربوها على العظمة، وإباءة الضيم، واستصغار العظائم؛ فإنها تعود إلى حياة وقوة تصارع بها حاكمها الغاصب، وإن كانت فئة قليلة وبلغت جنود خصمها من الكثرة ما لا يخطر على البال.
لا تحقرن صغيرا في مخاصمة
Unknown page