الفصل الثامن
عام الطلاق
ويمكننا أن نسميه أيضا عام الزواج الثاني، ففي سنة 1810 طلق نابوليون جوزفين وتزوج من ابنة إمبراطور النمسا، ولم يكن هذا الطلاق ابن ساعته بل ترجع فكرته إلى سنة 1804؛ لأن حاشية نابوليون وأتباعه كانت تلح عليه منذ ذلك الحين أن ينفصل عن زوجته العاقر، وجاء موت ابن الملكة هورتنس ولويس ملك هولاندا فنزع بقية الأمل من فؤاد الإمبراطور وجعله أقرب إلى تحقيق فكرة الطلاق من ذي قبل.
ولم تنجع وسائل الطب وعناية كورفيزار في تغيير الحالة، وذهبت الإمبراطورة للاستحمام في إكس فلم تر أدنى فائدة، وكانت قبل أيام حملة مصر قد ذهبت إلى بلومبيار لذلك السبب، فكان زوجها يمازحها معددا ضياع الوقت وخيبة أمل من يتطلب الذرية من المياه المعدنية .
ولم يكن هذا المزاح حلوا على قلب جوزفين؛ ولهذا كان يتجافاها في الساعات العصيبة، ولا سيما عندما كان يتألم فلم يكن يعرف حينئذ كلمات الحنو والعناق والتقبيل، أما هي فكانت من جراء ذلك كريشة في مهب الريح، لا تعرف أين تستقر، يتنازعها الأمل والخوف، وكانت تقول لأصحابها: إنها لا تصدق بهذه الظواهر، بل ترى أن الإمبراطور يحاول بذلك حملها على التعب منه والملل والكراهة.
وكانت الأيام تؤيد مخاوفها؛ لأن الإمبراطور أخذ يظهر برودة وجفاء وهجرا، ويخاصمها لأدنى سبب، فقد عاد يوما من فينا واتفق مع جوزفين أن يلتقيا في فونتنبلو، فجاءها قبل الميعاد بساعات، وكان هذا التأخر منها سببا لتعنيفها، والذي أماط عن عينيها الحجاب وأراها حقيقة ما هي إليه صائرة هو سد الطريق، أو بالأحرى أمره بقفل الباب الواصل بين حجرتيهما، وفي 30 نوفمبر 1809 كانت الساعة الهائلة؛ إذ أخبرها بعد العشاء بعزمه الأكيد على الطلاق، فكان ما كان من بكاء وندب وغيبوبة وغيرها، وفي 14 ديسمبر أمضيا عقد الطلاق، وفي 7 فبراير عقد له في فينا على ماري لويز.
وكان الاتفاق أن يجتمع العروسان في كومبيان، وأن يرافق الإمبراطور في هذا الموعد كل حاشيته ورجال قصره، فكان الحرس منتظرا والمركبات معدة وكل في موقفه، وإذا بالخبر ينتشر أن الإمبراطور قد اختفى؛ وذلك لأن صبر العاشق قد عيل فلم يطق الانتظار، فخرج من باب الخدم وركب عربة بسيطة يصحبه فقط مورا، وسار إلى أن وصل إلى مقربة من سواسون، فوقف بجانب كنيسة التوبة حتى إذا مرت عربة الإمبراطورة خف إليها وفتح بابها بشدة ودخل العربة، وجلس مكان الملكة كارولين بدون خطاب ولا جواب، وقبل الإمبراطورة فنال هذه الدهشة، ولكنها رضيت عنه ومالت إليه.
ويقال إن الذي جعل الإمبراطورة تحوز رضا أخوات الإمبراطور هو كونها أدنى منهن جمالا، فكانت على الرغم من شعرها الأشقر الغزير ووجهها المشرق وألحاظها اللطيفة تظهر كأن عمرها 30 سنة؛ نظرا لامتلاء فخذيها وضخامة صدرها، ولم تكن شفتاها السميكتان لتزيد محاسن وجهها.
وقد تحققت آمال الإمبراطور بأسرع وقت، فحملت ماري لويز في سبتمبر سنة 1810، وبلغ مجلس السفا بذلك، فأقيمت الصلاة في الكنائس واشترك الشعراء والمصورون والموسيقيون في تخليد تلك الساعة المباركة.
ولما أحست بالمخاض (19 مارس) كان الإمبراطور في الحمام، فقيل له إن المولد يرى صعوبة في توليدها وربما اضطر إلى تغيير مركز الجنين أو استعمال الحديد لإخراجه، فقال: لا تهتموا برغبتي الخاصة أن يكون لي ولد وخلصوا الأم أولا، وقد استعمل ديبوا الحديد فأخرج الولد في حالة الاختناق وعالجه حتى أفاق وصرخ فاطمأن الجميع.
Unknown page