Al-Ḥāwī liʾl-fatāwī
الحاوي للفتاوي
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
1424 AH
Publisher Location
بيروت
خَمْرًا أَعَدَّهُ لِلشُّرْبِ فَلَهُ إِذْ ذَاكَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْذَانُ وَيَكُونُ قَدْ تَخَطَّى مِلْكَهُ بِالدُّخُولِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى دَفْعِ الْمُنْكَرِ كَكَسْرِ رَأْسِهِ بِالضَّرْبِ لِلْمَنْعِ مَهْمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَمِنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: يَتَوَقَّى فِي إِرَاقَةِ الْخُمُورِ كَسْرَ الْأَوَانِي، وَفِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ تَمْزِيقَ الثَّوْبِ إِنْ وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلَّا بِالْكَسْرِ وَالتَّمْزِيقِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَسَقَطَتْ قِيمَةُ الظَّرْفِ وَيُقَوِّمُهُ بِسَبَبِ الْخَمْرِ إِذَا صَارَ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْخَمْرِ، وَلَوْ سَتَرَ الْخَمْرَ بِبَدَنِهِ لَكُنَّا نَقْصِدُ بَدَنَهُ لِلضَّرْبِ وَالْجُرْحِ لِنَتَوَصَّلَ إِلَى إِرَاقَةِ الْخَمْرِ فَإِذًا لَا تَزِيدُ حُرْمَةُ مِلْكِهِ عَلَى حُرْمَةِ نَفْسِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ الحافظ عماد الدين بن كثير فِي تَارِيخِهِ فِي صَفَرَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ بَلَغَ الْخَلِيفَةَ الْمُقْتَدِرَ بِاللَّهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الرَّافِضَةِ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسْجِدِ بَرَاثَا فَيَنَالُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَيُكَاتِبُونَ الْقَرَامِطَةَ وَيَدْعُونَ إِلَى وِلَايَةِ محمد بن إسماعيل الَّذِي بَيْنَ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُ المهدي وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنَ المقتدر وَمَنْ تَبِعَهُ، فَأَمَرَ بِالِاحْتِفَاظِ عَلَيْهِمْ وَاسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ فَأَفْتَوْا بِأَنَّهُ مَسْجِدُ ضِرَارٍ يُهْدَمُ كَمَا هُدِمَ مَسْجِدُ الضِّرَارِ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ فَهَدَمَهُ نازوك صاحب الشرطة وَأَمَرَ الوزير الخاقاني فَجَعَلَ مَكَانَهُ مَقْبَرَةً فَدُفِنَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَوْتَى.
وَقَالَ ابن عطية فِي تَفْسِيرِهِ: رُوِيَ أَنَّ مَسْجِدَ الضِّرَارِ لَمَّا هُدِمَ وَأُحْرِقَ اتُّخِذَ مَزْبَلَةً يُرْمَى فِيهِ الْأَقْذَارُ وَالْقِمَامَاتُ قَالَ: وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَزَلَتْ ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ [التوبة: ١٠٨] كَانَ لَا يَمُرُّ بِالطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا الْمَسْجِدُ»، وَقَالَ صَاحِبُ عُيُونِ التَّفَاسِيرِ: كُلُّ مَسْجِدٍ بُنِيَ مُبَاهَاةً وَرِيَاءً وَسُمْعَةً أَوْ لِغَرَضٍ غَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ أَوْ بِمَالٍ غَيْرِ طَيِّبٍ فَهُوَ لَاحِقٌ بِمَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ الكواشي فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، والشهاب الأياسلوغي فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَ القرطبي فِي تَفْسِيرِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا إِلَى جَنْبِ مَسْجِدٍ، وَيَجِبُ هَدْمُهُ وَالْمَنْعُ مِنْ بِنَائِهِ؛ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمَسْجِدُ الْأَوَّلُ فَيَبْقَى شَاغِرًا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَحَلَّةُ كَبِيرَةً فَلَا يَكْفِي أَهْلَهَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَيُبْنَى حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ قَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ جَامِعَانِ وَيَجِبُ مَنْعُ الثَّانِي وَمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِيهِ لَمْ تُجْزِئْهُ، وَقَدْ أَحْرَقَ النَّبِيُّ ﷺ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَهَدَمَهُ.
1 / 144