وفي عام 1939 عند شبوب الحرب الكبرى الثانية ترك غاندي هذا الأسلوب القديم للمكافحة، ودعا دعوة أخرى هي «اتركوا الهند»، وترك الإنجليز الهند في عام 1948 وتحقق الاستقلال. •••
وكان الهنود يعيشون أيام الإنجليز في تقاليد الفقر والجهل والمرض، وليس شيء يعمل للذلة والهوان مثل هذه العناصر الثلاثة التي تجمع شرور العالم كلها، وهي العون الأول للاستعمار؛ ولذلك حاربها غاندي جميعها بطراز جديد من المدارس يلائم ظروف القرية الهندية، وهذا الطراز هو ما يسمى الآن «التربية الأساسية».
في عام 1945 كتب أينشتين عن غاندي هذه الكلمات البليغة:
إن غاندي يتزعم الشعب الهندي، لا تؤيده في هذه الزعامة أية سلطة خارجية، وهو سياسي لا يقوم نجاحه على الحيلة أو المهارة في الوسائل الفنية، إنما على القوة الاقتناعية في شخصيته، وهو مكافح مظفر يحتقر على الدوام أساليب العنف، وهو حكيم متواضع قد تسلح بالإرادة كي يتناسق سلوكه، وقد أرصد كل قواه لأن ينهض بشعبه ويرقى بمصيره، وقد جابه توحش أوروبا بوقار إنسانيته، ولذلك كان على الدوام يرتفع عليها. إن الأجيال القادمة سوف تشك في أن إنسانا مثل هذا سعى بقدميه على أرضنا.
وهذه كلمات عظيم قد رأى العظمة في غيره وفطن إليها. •••
علمنا غاندي أيضا أن حكمة الحكيم ليست بالاقتناء، وإنما هي بالاستغناء، وأننا نستطيع أن نحقق السعادة والمكانة، وأن ننجز وعد حياتنا على الأرض، بالقليل من الحاجات دون هذا البذخ الذي يضنينا بلوغه ثم لا يسعدنا الحصول عليه، وأن ضرورات العيش من مسكن وملبس ومطعم قليلة، بل إننا إذا أقللنا منها عشنا على أحسن حال كما تتوافر لنا بهذه القلة القوة والوقت للاستمتاعات العالية، وعلمنا نحن الشرقيين أن الاستعمار عدو لا شك فيه، ولكن هناك ما هو أعدى منه لنا، وهو الاستمساك بعادات وتقاليد وقيم ثقافية واجتماعية شرقية لا يصلح أن تبقى في القرن العشرين .
ويلز
فيلسوف الصحافة
الصحافة أدب جديد لم يكن يعرفه أسلافنا، غايته أن يرتبط الكاتب بمجتمعه ويكتب عن عصره ويدرس مشكلاته. ولهذا الأدب قواعده بل سننه التي يجب أن يلتزمها الصحفي. وإذا كانت البلاغة لم تدرس إلى الآن هذا النوع من الأدب؛ فذلك لأنها تبني قواعدها على حال اجتماعية قد مضى عليها أكثر من ألف سنة، ومن هنا عقم هذه القواعد في عصرنا وخيبة نتائجها.
قواعد البلاغة القديمة تعلمنا كيف نكتب في جد الجاحظ، أو هزل الحريري، ولكن الصحفي الذي يكتب عن شئون البورصة، أو الفيتامين الجديد في الخميرة، أو مناقشات مجلس النواب، أو نقل البريد بالطائرات، أو القنبلة الذرية يجد قصورا عظيما في لغتي الجاحظ والحريري وبلاغتيهما. وإذا كان الأديب يكبر بمقدار مسئولياته، فإن الصحفي هو أعظم الأدباء في عصرنا؛ لأن أعظم ما يؤثر في الجمهور ويغيره ويوجهه للخير أو للشر هو الجريدة؛ وذلك لقوة الإيحاء الذي ينشأ من تكرار ظهورها كل يوم أو كل أسبوع. ولذلك أول شرط لبلاغة الأدب الصحفي أن يكون من يمارسه أمينا لقرائه مخلصا لمثلياته ومبادئه، لا يخون ولا ينحرف؛ لأن في خيانته أو انحرافه إفسادا للقراء وبعثا للشر. ثم يجب أن يكون على دراسة مثابرة للمشكلات العامة؛ إذ هي موضوعه الذي يتجدد كل يوم.
Unknown page