ليس للأنانية قيمة في الأرض أو في السماء، وجميع المسائل العظيمة تحتاج إلى حب عظيم.
الانتقام الصغير أكثر إنسانية من العف عن الانتقام.
ما هو الشيء الحسن؟ هو كل ما يزيد الإحساس بالقوة؛ أي إرادة القوة، أي القوة ذاتها في الإنسان.
وما هو الشيء السيئ؟ هو كل ما ينشأ من الضعف.
عيشوا في خطر، شيدوا مدنكم إلى جنب فيزوف، ابعثوا بسفنكم إلى بحار مجهولة. لأنك جعلت الخطر حرفتك؛ لذلك أدفنك بيدي.
ومن هذه المختارات الموجزة نجد أن نيتشه لا يقدم لنا فلسفة ومنطقا، بمقدار ما يقدم لنا أشعارا أو مذهبا وعقيدة، خلاصتهما أن نتخلص من الضعف ونقسو على أنفسنا وعلى غيرنا. ومع أننا نحس من اتجاهاته الفكرية أنه على التصاق واعتناق لمذهب داروين في التطور البيولوجي، فإن الميزة واضحة في أنه لا يطلب سبرمانا للمستقبل بمقدار ما يطلب منا أن نكون نحن على سمو وارتفاع فوق العامة، وعلى مقاطعة للأخلاق المسيحية.
وإنسان المستقبل (السبرمان) الذي يرتفع فوقنا بمقدار ما نرتفع نحن فوق القردة، لا يحتاج لإيجاده إلى القسوة الأخلاقية بمقدار ما يحتاج إلى التنظيم الاجتماعي للزواج والتناسل، وهذا يتم بالتعاون والرفق أكثر مما يتم بالتنازع والقسوة.
ومنطق المسيحية هو المنطق الإنساني بالتعاون، ومنطق نيتشه هو المنطق الفطري بالتنازع. وقسوة المبادئ الإمبراطورية، والقول بأن هناك سلالات بشرية لها حق السيادة على الشعوب السوداء أو السمراء أو الصفراء، هما أبعد ما يكونان عن تفكير نيتشه عندما نتأمل ونتعمق مؤلفاته. ولكن ليس هناك شك أن الدراسة السطحية قد عملت لتأييد هذه الاتجاهات، كما يتضح من إكبار النازيين الألمان والفاشيين الإيطاليين لمؤلفاته لاعتقادهم أنه يؤيدهم. •••
والقارئ لنيتشه في حملته على المسيح يحس وجاهة الرأي الذي يقول به «أندريه جيد» وهو أن نيتشه يغار غيرة شخصية من المسيح، فإن كلماته تحمل أحيانا بذاء أكثر مما تحمل نقدا، وهو في كتابه «هذا ما قال زرادشت» يقحم الإنجيل ويكذب كلمات المسيح، بل نحس ونحن نقرأ هذا الكتاب أنه يقلب العبرة والدلالة من كلمات المسيح، ويضع مكانها كلمات أخرى لها نقيض الأخلاق المسيحية، ثم يزيد على هذا فيحاكي أسلوب الإنجيل، فكما أن المسيح كان يجادل الفريسيين ويناقضهم، كذلك نيتشه قد جاء كي يجادل «الطيبين العادلين؛ لأن عقولهم مقيدة في سجون ضمائرهم»، ثم يخاطب تلاميذه بما يشابه، أو يطابق خطبة الجبل حين خاطب المسيح تلاميذه، ولكن مع الفرق في العبرة والدلالة؛ إذ حيث يدعو المسيح إلى الرحمة والحنان والإخاء البشري في أبوة الله، يدعو نيتشه إلى القسوة وضرورة التفاوت. ولنيتشه كما للمسيح خلوته واستيحاؤه، وله أيضا «العشاء الأخير» الذي يقول عنه بلسان زرادشت: «هذا العشاء لتذكروني.»
ثم تزداد الغيرة إلى حد الجنون فيقول: «ما هي أعظم الخطايا على الأرض إلى يومنا هذا؟ أليست هي قول ذلك القائل: ويل لكم، أنتم الذين تضحكون في هذا العالم؟!» وهو هنا يشير إلى المسيح، ثم يحاكي ويناقض بما في قوله على لسان زرادشت. «صحيح أنكم إذا لم تصيروا كالأطفال الصغار، فإنكم لن تدخلوا ملكوت السموات (وهنا يشير زرادشت إلى السماء)، ولكننا لا نرغب في أن ندخل هذا الملكوت؛ لأننا قد صرنا رجالا، ولهذا نحن ننشد ملكوت الأرض.»
Unknown page