415

Ḥāshiyat Muḥyī al-Dīn-zāda ʿalā tafsīr al-Qāḍī al-Bayḍāwī

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genres

الشيء لا يعطف على نفسه ولا على ما هو داخل فيه، أن لهم منصوب بنزع الخافض وإفضاء الفعل إليه أو مجرور بإضماره مثل: الله لأفعلن. والجنة المرة من الجن وهو مصدر جنة إذا ستره ومدار التركيب على الستر سمي به الشجر المظلل لالتفاف أغصانه للمبالغة كأنه يستر ما تحته سترة واحدة. قال ابن زهير:

كأن عيني في غربى مقتلة ... من النواضح تسقي جنة سحقا

أي الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان أي ليست نفس الإيمان كما ذهب إليه آخرون . والآية حجة عليهم لأنه لو كان العمل نفس الإيمان لزم عطف الشيء على نفسه وهو لا يجوز، وكذا لا يعطف على الشيء ما هو داخل فيه. ومن قال: إن الإيمان بالله تعالى عبارة عن مجموع التصديق بالقلب والإقرار باللسان وطاعة الله تعالى في جميع ما كلف به من الأفعال والتروك، له أن يقول: إن الداخل في الشيء قد يعطف عليه لغرض كما في قوله تعالى:

وملائكته ورسله وجبريل وميكال [البقرة: 98] فإن جبريل داخل في الملائكة وقد عطف عليهم تفخيما لشأنه. وقوله: «إن لهم منصوب المحل بنزع الخافض» فإن الأصل: وبشر الذين آمنوا بأن لهم جنات، فحذف حرف الجر وهو حذف مطرد مع «أن» ومع «أن» الناصبة للمضارع بسبب طولهما بالصلة فلما حذف حرف الجر اختلف النحاة: فذهب الخليل والكسائي إلى أن كلمة «أن» مع «ما» في حيزها مجرور المحل بناء على أن حرف الجر وإن ذهب لفظا فهو ملحوظ معنى فيكون موجودا حكما والجر باقيا، كما في قولهم: الله لأفعلن بجر لفظة الجلالة بإضمار الجار. وذهب سيبويه والفراء إلى أنه منصوب المحل بناء على أن فصحاء العرب إذا حذفوا حرف الجر يجعلونه نسيا منسيا ويوصلون الفعل بنفسه إلى مدخوله فينصبونه كما في قوله: واختار موسى قومه [الأعراف: 155] وهو المختار لأن حذف حرف الجر وإبقاء عمله نادر قليل. و «جنات» اسم «أن» و «لهم» خبرها مقدما ولا يجوز تقديم خبر «أن» وأخوتها إلا ظرفا أو حرف جر.

قوله: (ومدار التركيب) أي أن حروف «جن» تتضمن معنى الستر ومنه يقال للترس الذي يستتر به في الحروب «جنة» وللقلب المخفي المستور «جنان». وسمي الجنون جنونا لما فيه من ستر العقل، والجن جنا لاستتارهم عن أعين الناس، والجنين وهو الولد الذي في بطن أمه سمي جنينا لاستتاره فيه. قوله: (لالتفاف أغصانه) متعلق بالمظلل أي لكثرتها واجتماعها. وفي الصحاح: التفاف الناس والشيء كثرته، واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، وقوله تعالى: جئنا بكم لفيفا [الإسراء: 104] أي مجتمعين. قوله:

(للمبالغة) متعلق بقوله: «سمي به » أي بالمصدر. وسبب المبالغة أمران: أحدهما تسمية الذات بالمصدر كما في نحو: رجل عدل، وثانيهما كون الجنة بتاء المرة من الستر تدريجا،

Page 421