412

Ḥāshiyat Muḥyī al-Dīn-zāda ʿalā tafsīr al-Qāḍī al-Bayḍāwī

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genres

أخبرني عتقوا جميعا. وأما قوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران: 21] فعلى التهكم أو على طريقة قوله:

تحية بينهم ضرب وجيع

والصالحات جمع صالحة وهي من الصفات الغالبة التي تجري مجرى الأسماء إخبارهم على سبيل التعاقب، لأن الإخبار في المتعارف أن تذكر الجملة الخبرية ويراد بها معناه سواء أفادت العلم أم لا، وإن كان في أصل اللغة بمعنى إعلام مضمون الجملة أو إعلام أنه عالم به وما لم يقصدوا به الإعلام لا يسمى خبرا. ولما ورد أن يقال: كيف قيل إن البشارة اسم للخبر السار وقد جاء في القرآن فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران: 21] أجاب عنه بأنه محمول على التهكم أي الاستعارة التهكمية، وهي استعارة اسم أحد الضدين للآخر بناء على تنزيل المضاد منزلة اسم البشارة للتناسب كما استعير اسم البشارة للنذارة بجامع التضاد بأن نزل تضادهما منزلة اسم لقصد التهكم والاستهزاء وزيادة غيظ الكفار.

قوله:

(أو على طريقة قوله: ... تحية بينهم ضرب وجيع)

أي على طريق أن تجعل إفراد البشارة نوعين: متعارفا وهو الخبر السار، وغير متعارف وهو الخبر المؤلم كالإخبار بأن مصيرهم إلى العذاب الأليم. كما جعل الشاعر إفراد التحية نوعين: متعارفا وهو ما يجيء به على قصد التعظيم، وغير متعارف وهو الضرب الوجيع الواقع في أول الملاقاة إذ لا معنى لتشبيه التحية بالضرب. وأول البيت:

وخيل قد دلفت بها لخيل

ودلفت بمعنى دنوت عدي إلى الخيل بالباء.

قوله: (وهي من الصفات الغالبة) أي من الصفات التي غلبت عليها الاسمية حيث غلب استعمالها بلا قصد إلى موصوف تجري عليه، فإن صالحة في الأصل صفة للدلالة على ذات مبهمة يقوم بها معنى الصلاح ثم غلب عليها الاسمية أي غلب استعمالها فيما يتقرب به إلى الله تعالى. واستشهد بقول الحطيئة على استعمال صالحة استعمال الأسماء من غير قصد إلى موصوف. والحطيئة بضم الحاء المهملة وفتح الهمزة على وزن الحميرة ، والحطىء على فعيل الرذل من الرجال والحطيئة الرجل القصير سمي به الحطيئة لدمامته وقصره. حكي أن النعمان بن المنذر وفدت عليه الوفود وفيهم أوس فقال لهم: احضروا غدا فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم. فلما كان الغد حضر الوفود إلا أوسا فقيل له: لم تتخلف؟ فقال: إن كان

Page 418