Ḥāshiyat Muḥyī al-Dīn-zāda ʿalā tafsīr al-Qāḍī al-Bayḍāwī
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
فيه ظلمات ورعد وبرق إن أريد بالصبيب المطر فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة غمامه مع ظلمة الليل وجعله مكانا للرعد والبرق لأنهما في أعلاه ومنحدره ملتبسين به. وإن أريد به السحاب فظلماته سحمته وتطبيقه مع ظلمة الليل وارتفاعها بالظرف وفاقا لأنه معتمد على موصوف والرعد صوت يسمع من السحاب، والمشهور أن حتى يقال لسقف البيت سماء. فحينئذ يتعين أن يراد بالصيب مطر لأنه الذي من السماء بمعنى السحاب وتكون اللام فيها لتعريف الهيئة دون الاستغراق إذ لا فائدة يعتد بها في اعتبار إفراد جنس السحاب إذ لا يعتد بكونه سائرا للآفاق مطبقا عليها.
قوله: (إن أريد بالصيب المطر فظلماته ظلمة تكاثفه بتتابع القطر) فإن تتابع القطرات وتقاربها نقيض قلة الهواء المتخلل المستنير بنور القمر أو بنور سائر الكواكب المضيئة بالليل، فلكون تكاثف المطر حاصلا فيه كانت الظلمة المسببة عنه حاصلة فيه أيضا ونفس الغمام وإن لم يكن حاصلا في المطر إلا أن ظلمته حاصلة فيه، فصح أن يقال المطر فيه ظلمات ظلمة تكاثفه وظلمة غمامه وكذا ظلمة الليل حاصلة فيه لأن ظلمة الليل من الظلمة الأصلية الظاهرة في الأشياء بسبب حيلولة الأرض بينها وبين الشمس فتلك الظلمة حالة أصلية لها وقائمة بها وإنما تزول عنها عند تحقيق المقابلة بينها وبين النير. قوله: (وجعله مكانا للرعد والبرق) جواب عما يقال كيف جعل الصيب بمعنى المطر مكانا للرعد والبرق حيث قيل: فيه ظلمات ورعد وبرق والحال أن مكانها هو السحاب لا المطر لأن الرعد صوت يسمع من السحاب والبرق ما يلمع منه. وتقدير الجواب أنهما وإن لم يكونا في المطر نفسه لكنهما في محل متصل بالمطر وهو أعلاه ومنحدره أي مصبه الذي هو السحاب فكانا ملتبسين بالمطر فجعلا كأنهما فيه بناء على استعارة كلمة «في» للملابسة الشبيهة بملابسة الظرفية فاستعمل فيها ما وضع لملابسة الظرفية. قوله: (ملتبسين به) حال من المنوي في قوله في أعلاه والمنحدر على صيغة اسم المفعول كان الانحدار والانصباب. قوله: (وإن أريد به) أي بالصيب السحاب فظلماته سحمته أي سواده في نفسه وتطبقه أي كونه طبقت بأن يكون بعضها فوق بعض وقد انضم إلى هاتين الظلمتين ظلمة ثالثة هي ظلمة الليل. قوله: (وارتفاعها) أي ارتفاع الظلمات على أنه مبتدأ والظرف خبره قدم عليه اهتماما لبيان كون الصيب ظرفا للظلمات و «ما» عطف عليها ومصححا للابتداء بالنكرة. ولا خلاف في جوازه عند الكل بل المراد الاتفاق على جواز إعمال الظرف ههنا، وكون ظلمات فاعلا له لاعتماده على موصوفه الذي هو صيب بخلاف ما إذا لم يعتمد الظرف. فإن سيبويه لا يجوز إعماله حينئذ فإذا قلت: له مال ارتفع «مال» بالابتداء «وله» خبر مقدم عليه. وعند الأخفش رحمه الله يرتفع بالفاعلية لأنه لا يجعل الاعتماد شرطا لعمل الظرف وإنما قال: والمشهور أن سببه أي سبب
Page 336