Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
على القيام كما عبر عنها بالقنوت والركوع والسجود والتسبيح، والأول أظهر لأنه أشهر وإلى الحقيقة أقرب وأفيد لتضمنه التنبيه على أن الحقيق بالمدح من راعى حدودها الظاهرة أركانها أولى، فصح أن يكون قوله تعالى: ويقيمون الصلاة بمعنى ويؤدونها ويصلونها بناء على أن يكون يقيمون بمعنى يصيرون ذا قيام، ويعبر بالقيام عن الصلاة فيكون انتصاب الصلاة بعد قوله: يقيمون على أنه مفعول مطلق من غير لفظ فعله على طريق قعدت جلوسا لأن يقيمون وحده بمعنى يصلون، والمفعول المطلق يجوز كونه منونا ومعرفا باللام كما في قوله: أرسلها العراك فإن العراك حال مصدر لفعله المضمر والتقدير: أرسلها تعترك العراك، والجملة حال من مفعول أرسلها أي أرسلها معتركة مزدحمة. وقد مر أن الحمد في قراءة من قرأه منصوبا مفعول مطلق لفعله المحذوف أي نحمد الحمد فيكون قوله تعالى: ويقيمون الصلاة على هذا الوجه أيضا مجازا مرسلا من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل.
قوله: (والأول أظهر) أي حمل إقامة الصلاة على المعنى الأول وهو تعديل أركانها والحفظ عن الزيغ في أفعالها أظهر في هذا المقام لأنه أشهر معانيها من تقويم العود وترويج السوق والمباشرة بالجد والصيرورة ذا قيام. قوله: (وإلى الحقيقة أقرب) الظاهر أنه أراد بالحقيقة معناها الحقيقي العرفي الذي جعل هذا المعنى مجازيا بالنسبة إليه وهو تقويم العود وتسوية أجزائه وإزالة اعوجاجه، وأراد بقرب هذا المعنى إليه ظهور وجه المشابهة بينهما لاشتراك المعنيين في الاشتمال على معنى التسوية والإخلاء عن الاعوجاج غايته أن يكون متعلق ذلك في أحدهما الأجسام وفي الآخر المعاني والأفعال بخلاف وجه المشابهة بين المعنى الأول وبين سائر معانيها الحقيقية العرفية كترويج السوق والمباشرة بالجد والصيرورة ذا قيام. نقل عن الراغب أنه قال: إقامة الصلاة توفية حقوقها وإدامتها. ويقرب منه قول الإمام: واعلم أن الأولى حمل الكلام على ما يحصل معه الثناء العظيم وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا الإقامة على إدامة فعلها من غير خلل في أركانها وشرائطها. والظاهر أن المعنى الذي اختاره الإمام معنى خامس مركب من مجموع المعنيين الأولين حيث اعتبر فيه خلوها عن الزيغ في أفعالها وهو المعنى الأول بعينه. وأبعد الاحتمال أن تحمل إقامة الصلاة على مجرد أدائها وإيقاعها ولهذا لم يؤمر بها ولم يمدح بسببها إلا بلفظ الإقامة نحوه والمقيمين الصلاة [النساء: 162] ولم يقل المصلين إلا في حق المنافقين حيث قال: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [الماعون: 4، 5] ومن ثمة قيل: المصلون كثير والمقيمون لها قليل. وكثير من الأفعال التي حث الله على توفية حقها ذكره بلفظ الإقامة كقوله:
ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل [المائدة: 66] وأقيموا الوزن بالقسط [الرحمن: 9]
Page 184