111

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، المسماة: عناية القاضى وكفاية الراضى على تفسير البيضاوي

واو فهو جواب لما وعلى الأوّل خوطب جوابها وفي نسخة فخوطب بالفاء، وباء بذلك سببية أو ا-لية فالإشارة للتميز أو للفظه قيل والذكر يحتمل أنه ذكر الله ذلك حكاية عن العباد تعليما لهم، فحصول التميز والتعلّق على ظاهره لكن قوله خوطب ليس على ظاهر إذ هو تعالى ليس بمخاطب في تلك المرتبة بل المراد منه حكاية خطابه تعليمًا، ويحتمل أن يراد ذكر العباد ذلك في مقام الحمد والقراءة كما علمهم، فحصول التمييز والتعلق بالنسبة إلى من عنده التمييز والعلم باعتبار التفات جديد لازم للقراءة والخطاب على ظاهره، وقيل وجه سببية الذكر والوصف المستلزمين للتميز والعلم التنزيل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة التي أوجبت تميزه وانكشافه حتى صار كأنه يبدل خفاء غيبته بجلاء حضوره منزلة المخاطب في التميز والظهور فيصح إطلاق ما هو موضوع للمخاطب عليه، وظاهره أنّ الحق سبحانه لا يخاطب حقيقة ولا يظهر وجه لصحته كيف ولا يثترط في الخطاب إلًا السماع لا المشاهدة والعيان، والآ يلزم أن لا يخاطب الأعمى حقيقة ولا من هو خارج الدار من في داخلها ولم يقل به أحد انتهى. (أقول) هذا مشكل من أهمّ المهمات بيانه وكلام كتب المعاني كلها أو جلّها ناطق بمثل باردة، فلا بدّ من بيان معنى الخطاب المدلول عليه بضمائره ونحوها فإنه إن قيل إنّ حقيقته توجد إذا اجتمع المتخاطبان بجث يرى كل منهما الآخر، ويسمعه لم يكن خطاب الداعين لله حقيقيا، وكذا خطاب الأعمى ومن هو خارج الدار ونحوه والبدإهة شاهدة بخلافه، فإن لم يشترط ذلك لزم أنّ كل من وجه له الخطاب غائبا كان أو حاضرًا مخاطب حقيقة، وفساده ظاهر فلا بدّ من بيان المراد منه حتى تتميز حقيقته من مجازه، والذي لاح لي بعد إمعان النظر فيه أنّ كل شيء له تحقق في الخارج ونفس الأمر وتحقق ذهنًا باعتبار دلالة العبارة عليه، ولا تلازم بينهما فتحقق الخطاب في الأوّل بحيث يعدّ حقيقة يكفي فيه سماع المخاطب ووجوده عنده، وإن لم يحوهما مكان واحد ولم يركل منهما الآخر فالعبد يخاطب الله في دعائه حقيقة لسماعه دعاءنا وهو معنا، وأمّا باعتبار استعمال ما وضع للخطاب كضمائره، فإن وقع ذلك ابتداء في حال التكلّم كان مدلولها مخاطبًا حقيقة، والًا فلا، وإن وقع في أثناء الكلام ينظر لما قبله فإن كان لفظًا موضوعًا للمخاطب، فكذلك هو حقيقيّ حتى يعد ما خالفه التفاتا، والًا فهو مجازي، لأنّ الحكم وقع عليه أوّلًا من غير دلالة على توجه النفس إليه توجه الخطاب سواء كان كذلك أو لا حسبما يقتضيه الحال ألا ترى الرجل بين يدي الملك لمهانته يخاطب بعض خدامه، ويقول أنا راج أن يحسن إليّ السلطان ويخلصني بعدله من العدوان، ولا يعدّ التعبير بالغيبة فيه مجازًا والتفاتًا مع أنه بمسمع منه ومرأى، وهكذا جرى القياس ومتعارف الناس، ولما كان الغالب المتعارف كون المخاطب حاضرًا محسوسًا وغيره ليس كذلك جعلوه معيار الحقيقة والمجاز، ولما ذكر الله هنا بطريق الغيبة جعل إجراء الأوصاف المعينة لتميزه في قوّة التعبير عنه بما يدل على الخطاب، ولما لم يكن كذلك حقيقة جعل التفاتا وهو الذي عناه ذلك الفاضل، فبيته وبين ما أورد عليه بعد المشرقين، وقد وضح الصبح لذي عينين، وهذا سرّ حديث: " الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه " كما قال الشاعر: واني لأرجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ما الله صانع قوله: (أي يا من هذا شأنه إلخ) فيه إشارة إلى المرجح بعد المصحح، وكأنّ الخطاب المعلل بهذه الفوائد مسبب عما تقدّم، ولما كان في إطلاقه عليه ملاحظة لتلك الأوصاف صار الحكم مرتبا على الوصف المناسب، فكأنه قيل يا من اتصف بتلك الأوصاف، وتميز بها نعبدك فيشعر من طريق المفهوم باختصاص العبادة به، فيكون ما خوطب به أدل على الاختصاص من إياه نعبد لاشتراكهما في الدلالة على الاختصاص بالتقديم، واختصاص الأوّل بالدلالة من طريق المفهوم أو المعنى ليكون الخطاب أدل على الاختصاص من الغيبة، لأنه ربما يفهم من الصفات السابقة معه لا به، وقال قذس سرّه: حاصل ما ذكر أنه لو قيل إياه نعبد واياه نستعين كما يقتضيه السياق ظاهرًا لم يكن فيه دلالة على أنّ العبادة له والاستعانة به لأجل اتصافه بتلك الصفات المجراة عليه وتميزه بها عن غيره، لأنّ ذلك الضمير

1 / 110