[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ــ
[حاشية العطار]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ قَالَ الشَّارِحُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَالتَّفْتَازَانِي أَوْ الِاسْتِعَانَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ أَوْ هِيَ صِلَةٌ لِلْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ وَعَلَيْهِ يَرِدُ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ وَمِمَّا أَجَابُوا بِهِ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي اعْتَبَرُوهُ فِي مُقَارَنَةِ الْحَالِ لِوُقُوعِ مَضْمُونِ عَامِلِهَا جَعَلُوهُ أَعَمَّ مِمَّا لَا يَفْضُلُ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ وَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّلَبُّسَانِ فِي زَمَانٍ بِهَذَا الْمَعْنَى وَأَمْكَنَ وُقُوعُ الِابْتِدَاءِ فِي حَالِ التَّلَبُّسَيْنِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ تَدَافُعِ الِابْتِدَاءَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِالْجِنَانِ أَوْ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ وَالْآخَرُ بِآخَرَ مِنْهَا أَوْ يَكُونُ مَعًا بِالْجِنَانِ لِجَوَازِ إخْطَارِ الشَّيْئَيْنِ مَعًا بِالْبَالِ قَالَ اللَّيْثِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَفِي كِلَيْهِمَا نَظَرٌ.
أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ مَعْنَى الْعُمُومِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ النُّحَاةُ فِي مُقَارَنَةِ الْحَالِ لِلْعَامِلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَزْمَانٌ فَاصِلَةٌ عَنْ أَزْمَانٍ عَامِلَةٍ حَتَّى تَكُونَ مُقَارَنَتُهَا لَهُ بِبَعْضِهَا لَا بِتَمَامِهَا كَمَا فِي جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ قَبْلَ الْمَجِيءِ مُمْتَدًّا إلَيْهِ وَبَاقِيًا بَعْدَهُ.
وَأَمَّا جَوَازُ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الرُّكُوبِ مُقَارِنًا لِلْمَجِيءِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَفِي التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ أَيُّهُمَا أُخِّرَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ مُقَارِنًا لِلِابْتِدَاءِ الَّذِي لَيْسَ لِزَمَانِهِ انْقِسَامٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِأَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ تَحَقُّقِ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَلَوْ قَارَنَ بِالتَّسْمِيَةِ وَالتَّلَبُّسِ بِالتَّحْمِيدِ ذَلِكَ الِابْتِدَاءَ لَزِمَ وُقُوعُ ابْتِدَاءَيْنِ مُتَدَافِعَيْنِ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَالتَّحْمِيدَ الْمُعْتَدَّ بِهِمَا الْمَرْجُوُّ مِنْهُمَا حُصُولُ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ مَا يَكُونُ عَنْ قَلْبٍ حَاضِرٍ وَتَوَجُّهٍ تَامٍّ وَالْقَلْبُ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ التَّوَجُّهُ التَّامُّ إلَى شَيْئَيْنِ مَعًا مِثْلُ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ إلَّا نَادِرًا لِلْأَفْرَادِ الْمُتَجَرِّدِينَ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الْعَوَائِقِ الْبَشَرِيَّةِ اهـ.
ثُمَّ إنَّ الْبَدْءَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي صَدْرِ الْفِعْلِ وَالْمَطْلُوبُ تَعْمِيمُ الْبَرَكَةِ فَمِنْ ثَمَّ رُجِّحَ تَقْدِيرُ الْمُتَعَلِّقِ خَاصًّا لِتَعُمَّ الْبَرَكَةُ سَائِرَ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ فَتَقْدِيرُ أُؤَلِّفُ مُقْتَضٍ بِلَفْظِهِ صُحْبَةَ التَّأْلِيفِ لِمَا تَبَرَّكَ بِهِ لَكِنْ قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِ أَبْتَدِئُ يُسَاوِي أُؤَلِّفُ مَثَلًا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي هُوَ الْبَسْمَلَةُ أَوْ الْحَمْدَلَةُ لِمَا بُدِئَ بِهِ مَصْحُوبَ الْبَرَكَةِ عَلَى جَمِيعِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ ذَلِكَ إذْ فِيهِ الْحَضُّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ فِي الْبِدَاءِ يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ اهـ.
وَقَدْ أَوْرَدَ سَمِّ هُنَا إشْكَالًا
1 / 2
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية العطار]
عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ عِيسَى الصَّفَوِيِّ حَاصِلُهُ أَنَّ جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً أَوْ إنْشَائِيَّةً وَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِدُونِ التَّلَفُّظِ بِهِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ حِكَايَةً عَنْهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ مُصَاحَبَةِ الِاسْمِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ مِنْ تَتِمَّةِ الْخَبَرِ وَهُمَا لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِهَذَا التَّلَفُّظِ وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ شَأْنَ الْإِنْشَاءِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ وَأَصْلُ الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ غَالِبًا؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْأَكْلِ وَالسَّفَرِ وَالذَّبْحِ مِمَّا لَيْسَ بِقَوْلٍ لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْبَسْمَلَةِ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ مَثَلًا بِسْمِ اللَّهِ أَذْبَحُ أَوْ أُسَافِرُ بِقَصْدِ الْإِنْشَاءِ فَإِنْ جُعِلَتْ لِإِنْشَاءِ الْمُصَاحَبَةِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ مُتَعَلِّقِهَا وَالْأَصْلُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدُورِ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى أَبْدَأُ أَوْ أَفْتَتِحُ بِسْمِ اللَّهِ أَيْ أَجْعَلُهُ بُدَاءَةَ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ الْجَعْلِ لَمْ يَلْزَمْ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَلَا يَجْرِي حَقِيقَةً إلَّا فِي نَحْوِ التَّأْلِيفِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بُدَاءَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ أَمْكَنَ إجْرَاؤُهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي جَعْلِهِ بُدَاءَةً اهـ.
وَأَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَائِلَ إذَا شَرَعَ فِي ذَبْحٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ سَفَرٍ مَثَلًا فَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَقْدِيرَ أَتَبَرَّكُ أَوْ أَسْتَعِينُ فِي هَذَا الْفِعْلِ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَتْ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ أَصْلًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ تَقْدِيرَهُ أَذْبَحُ أَوْ أُسَافِرُ بِسْمِ اللَّهِ مَثَلًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ ظَاهِرٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ مَنْ هُوَ؟ فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ لِهَذَا الْفِعْلِ تُغْنِي عَنْ الْإِخْبَارِ لَوْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْبَارِ وَلَعَلَّك لَا تَجِدُهُ أَصْلًا فَإِنَّك إنْ قَصَدْت اللَّهَ بِالْإِخْبَارِ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ قَصَدْت نَفْسَك فَكَذَلِكَ وَلَهَا ثَمَّ ثَالِثٌ يُقْصَدُ بِالْإِخْبَارِ وَلَوْ كَانَ لَأَغْنَتْهُ الْمُبَاشَرَةُ لِلْفِعْلِ عَنْ الْإِخْبَارِ، فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَعَلَّقَ الْجَارُّ بِهَذَا الْفِعْلِ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَمَعْنَى أَذْبَحُ أَتَبَرَّكُ أَوْ أَسْتَعِينُ فِي الذَّبْحِ بِالتَّضْمِينِ الْمَذْكُورِ فَتَكُونُ مَقُولَةً لِإِنْشَاءِ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ فِي الذَّبْحِ مَثَلًا، وَلَا يَكُونُ الْإِخْبَارُ بِهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَعْيِينِ مَحَلِّ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ، وَالْأَصْلُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِتَعْيِينِ مَحَلِّ التَّبَرُّكِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِنْشَاءُ بِمُتَعَلِّقِهِ لَا بِهِ نَفْسِهِ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ النُّدُورِ نَلْتَزِمُهُ.
وَنَقُولُ إنَّ النَّادِرَ يَرِدُ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ أَحْيَانًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُقَدَّرَ أَذْبَحُ أَوْ أُسَافِرُ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إلَى التَّضْمِينِ فَجُمْلَةُ أَذْبَحُ مَثَلًا خَبَرٌ وَأَمَّا بِاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ إنْشَاءٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهَا خَبَرِيَّةُ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةُ الْعَجُزِ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ الْخَبَرَ وَالْإِنْشَاءَ مُتَقَابِلَانِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَالْحَالُ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّنَا إذَا قَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ الْقَيْدِ وَنَظَرْنَا لِمَا تَمَّ بِهِ الْإِسْنَادُ مِنْ رُكْنَيْ الْجُمْلَةِ كَانَتْ خَبَرِيَّةً وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى الْقَيْدِ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً فَالْخَبَرِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ بِاعْتِبَارَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ الْجُرْجَانِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ فِي مَبْحَثِ الْإِنْشَاءِ عِنْدَ قَوْلِ التَّفْتَازَانِيِّ " رُبَّ " لِإِنْشَاءِ التَّقْلِيلِ " وَكَمْ " الْخَبَرِيَّةُ لِإِنْشَاءِ التَّكْثِيرِ قَالَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ كَلَامًا مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِحَسَبِ نِسْبَةٍ غَيْرِ نِسْبَةِ التَّقْلِيلِ وَالتَّكْثِيرِ فَإِذَا قُلْتَ كَمْ رَجُلٌ عِنْدِي فَهُوَ بِاعْتِبَارِ نِسْبَةِ الظَّرْفِ إلَى الرَّجُلِ كَلَامٌ خَبَرِيٌّ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ.
وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ اسْتِكْثَارِك إيَّاهُمْ فَلَا يَحْتَمِلُهَا؛ لِأَنَّك اسْتَكْثَرْتهمْ وَلَمْ تُخْبِرْ عَنْ كَثْرَتِهِمْ اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْجَوَابِ وَالْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ إنْشَائِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَعَلَى الثَّانِي صَالِحَةٌ لِلْخَبَرِيَّةِ وَالْإِنْشَائِيَّة بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَأَمَّلْ وَقَوْلُ السَّيِّدِ الصَّفَوِيِّ وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى إلَخْ يُشِيرُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَفِيهِ أَنَّ جَعْلَ الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ
1 / 3
الْحَمْدُ لِلَّهِ.
ــ
[حاشية العطار]
مُسْتَبْعَدٌ هُنَا جِدًّا فَإِنَّ بَاءَ التَّعْدِيَةِ هِيَ الْمُعَاقِبَةُ لِلْهَمْزَةِ فِي تَصْيِيرِ الْفَاعِلِ مَفْعُولًا كَمَا فِي ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ وَأَنَّ كَوْنَ الْجُمْلَةِ لِإِنْشَاءِ الْجَعْلِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا اسْتِحْدَاثُ مَدْلُولِهَا وَالْجَعْلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مُدِلًّا لَا لَهَا بَلْ هُوَ مَعْنًى خَارِجِيٌّ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَجْرِي حَقِيقَةً إلَخْ يَعْنِي أَنَّ التَّأْلِيفَ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَكُونُ مِنْ مَقُولَةِ اللَّفْظِ يَصِحُّ أَنْ يَفْتَتِحَ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ بِأَنْ تَجْعَلَ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُفْتَتَحُ بِجُزْئِهِ فَجَعْلُ الْبَسْمَلَةِ جُزْءًا مِنْ التَّأْلِيفِ وَاضِحٌ.
وَأَمَّا نَحْوُ الْأَكْلِ وَالذَّبْحِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مَقُولَةِ اللَّفْظِ فَجَعْلُ الْبَسْمَلَةِ بُدَاءَةً لَهُ يَسْتَدْعِي جُزْئِيَّتَهَا مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهَا كَالْجُزْءِ فِي كَوْنِهَا تُذْكَرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَحَالَ مُلَابَسَةِ أَوَّلِهِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك وَجْهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَمُخَالَفَةِ الْمَشْهُورِ وَلِبَعْضِ أَشْيَاخِنَا هُنَا تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أُمُورٍ لَا تَتِمُّ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ لَيْسَ بِكَلَامٍ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَنَا فِي تَقْرِيرِ مَعْنَى كَوْنِ الْجُمْلَةِ خَبَرِيَّةَ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةَ الْعَجُزِ أَنَّهُ لَا وُرُودَ لِهَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى أَسْتَعِينُ بِسْمِ اللَّهِ مم كَيْفَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْقَيْدِيَّةِ وَعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَقَدْ اُضْطُرَّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى إلَى تَقْرِيرِ الْمُتَعَلِّقِ حَتَّى تَمَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ رُجُوعٌ مِنْهُ لِأَصْلِ التَّرْكِيبِ فَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَلِّقُ الَّذِي قَدَّرَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَجْرُورُ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَأَفْتَتِحُ بِسْمِ اللَّهِ وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ نَحْوُ هَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَلَوِيِّ عَلَى السُّلَّمِ فَقَالَ إنَّ الْمَجْرُورَ مُخْبَرٌ عَنْهُ فِي الْمَعْنَى وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي الْمَجْرُورِ بِحَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ أَمَّا الْمَجْرُورُ بِحَرْفِ الْجَرِّ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ غَيْرُ صَرِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النُّحَاةُ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ مُخْبِرًا عَنْهُ فِي الْمَعْنَى انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَتَغَيَّرَ مَدْلُولُ التَّرْكِيبِ إذْ فَرْقٌ بَيْنَ إخْبَارِك بِوُقُوعِ ضَرْبِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو وَالْمُؤَدَّى بِقَوْلِك ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَإِخْبَارِك بِثُبُوتِ الضَّرْبِ لِعَمْرٍو فِي قَوْلِك: عَمْرٌو مُضْرَبُ زَيْدٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْ التَّرْكِيبَيْنِ غَرَضًا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ الْمُتَعَلِّقَ فَضْلَةً نَحْوُ مُبْتَدِئًا وَمُسْتَعِينًا وَمُتَبَرِّكًا وَكَانَتْ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ فَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةُ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةُ الْعَجُزِ.
وَفِيهِ أَنَّ جَعْلَ الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ مم لِمَا سُمِعَتْ وَأَمَّا هَذِهِ الْمَنْصُوبَاتُ فَهِيَ أَحْوَالٌ تَسْتَدْعِي عَامِلًا وَالْعَامِلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَبْتَدِئُ مَثَلًا وَإِذَا قُدِّرَ الْفِعْلُ كَانَ أَحَقَّ بِالْعَمَلِ لِأَصَالَتِهِ كَمَا قَالَ فِي مِثْلِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ إذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْمُقَدَّرَاتِ بِلَا دَاعٍ إلَيْهِ وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَقْدِيرَ مُسْتَعِينًا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَحْوَالِ لَيْسَ لِتَعَلُّقِ الْمَجْرُورِ بِهِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْبَاءِ وَمِنْهَا أَنَّهُ فَسَّرَ فِي بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُصَاحَبَةَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِالْمُلَاحَظَةِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَهُوَ لَيْسَ مَعْنًى حَقِيقِيًّا لَهُمَا إذْ بَاءُ الْمُصَاحَبَةِ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مُلَابَسَةِ الْفِعْلِ وَمُصَاحَبَتِهِ فَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] وَبَاءُ الِاسْتِعَانَةِ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْآلَةِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَلِذَلِكَ اُسْتُشْكِلَ جَعْلُ الْبَاءِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِجَعْلِ اسْمِ اللَّهِ آلَةً لِلْفِعْلِ وَهُوَ تَرْكُ الْأَدَبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى مَجَازِيًّا يَلْزَمُ عَلَى إرَادَتِهِ ذَهَابُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ التَّرْكِيبِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَعْلِ الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ إفَادَةُ مُلَابَسَةِ
1 / 4
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية العطار]
التَّبَرُّكِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْفِعْلِ وَمِنْ جَعْلِهَا لِلِاسْتِعَانَةِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ بِدُونِ ذِكْرِهِ تَعَالَى وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَعْلِ اسْمِ اللَّهِ آلَةً مُنْدَفِعٌ بِعَدَمِ مُلَاحَظَةِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ الْمُلَاحَظُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ لَفَسَّرَ الْقَوْمُ بَاءَ الِاسْتِعَانَةِ وَلَمْ يُرَدْ الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُلَاحَظَةِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَفِي الْمَعْنَى وَهَلْ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ يُفَسَّرُ بِهِمَا كُلٌّ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ لَزِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَالْمُلَابَسَةِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى طَرِيقِ التَّوْزِيعِ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ تَغَايُرِ الْمَعْنَيَيْنِ لِمَ خَصَّ إحْدَيْهِمَا بِهَذَا دُونَ الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) تَجْرِي احْتِمَالَاتُ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فِي " الـ " دُونَ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِنُدْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَلِكَوْنِ مَدْخُولِهِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ فَيَصْدُقُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ وَالْمَقَامُ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي الْحَصْرَ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِهَا استغراقية أَوْ جِنْسِيَّةً أَوْ ظُهُورِ الْفَرْدِ بِحَيْثُ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الذِّهْنِ مُطْلَقًا بِجَعْلِهَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ وَاجِبٌ عَقْلًا وَشَرْعًا وَالْوَاجِبُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَانِيَةً لِيَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ غَيْرُهُ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي الْفُرُوعِ مِنْ اسْتِحْبَابِ إعْطَاءِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ جِهَارًا وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَتَحٌ بِهَا وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ وَتَوْجِيهُ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِمَا سَيَأْتِي لِمُرَاعَاةِ جَانِبِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّوْجِيهَ مُنَاقَشٌ فِيهِ بِمَا سَتَسْمَعُهُ وَلِلتَّفَنُّنِ أَيْضًا فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُحْتَوِيًا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ.
وَأَمَّا إنَّ الْفِعْلِيَّةَ أَبْلَغُ أَوْ الِاسْمِيَّةُ فَالتَّحْقِيقُ فِيهِ مَا قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي اخْتِيَارِ طَرِيقَةِ الْحَمْدِ وَتَرْجِيحِهَا جَانِبَ الْبَلَاغَةِ فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّابِتَةِ فَالْمُنَاسِبُ الِاسْمِيَّةُ كَمَا فِي سُورَةِ
1 / 5
عَلَى أَفْضَالِهِ.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ
ــ
[حاشية العطار]
الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الرُّبُوبِيَّةَ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ لِلذَّاتِ وَإِلَّا فَالْفِعْلِيَّةُ ثُمَّ إنَّ جَعْلَ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً أَقْوَى لِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: تَوَافُقُهُمَا مَعَ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ إذْ هِيَ إنْشَائِيَّةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَدَعْوَى بَعْضٍ تَجْوِيزَ خَبَرِيَّتِهَا تَكَلُّفٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِالثَّنَاءِ مُثْنٍ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ بِالصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِمُصَلٍّ فَلَوْ جُعِلَتْ جُمْلَةُ الْحَمْدَلَةِ خَبَرِيَّةً لَزِمَ تَخَالُفُ الْجُمْلَتَيْنِ خَبَرًا وَإِنْشَاءً وَفِي الْعَطْفِ خِلَافُ الثَّانِي مَا قَالَهُ الْفَنَارِيُّ إنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ وَأَمْثَالَهُ أَخْبَارٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْإِنْشَاءِ أَيْ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ مَجَازٌ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ لَيْسَ بِصَدَدِ الْإِخْبَارِ وَالْإِعْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَمَعْنَى " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ لَك يَا رَبُّ فَمَقْصُودُ الْمُتَلَفِّظِ بِهِ إنْشَاءُ تَعْظِيمِهِ تَعَالَى لِتَوْفِيقِهِ لِلْحَمْدِ وَإِيجَادِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّيَغَ الْمَذْكُورَةَ إخْبَارٌ فِي اللُّغَةِ نَقَلَهَا الشَّارِعُ إلَى الْإِنْشَاءِ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتُ النَّقْلِ فِي أَمْثَالِ مَا نَحْنُ فِيهِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ مُشْكِلٌ جِدًّا اهـ.
وَأَيْضًا رَجَّحَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ أَنَّهَا إنْشَائِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَفْضَالِهِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحَقُّقِ الِاسْتِحْقَاقَيْنِ الذَّاتِيِّ وَالْوَصْفِيِّ فَإِنَّ لَفْظَ " اللَّهِ " أَعْلَمُ لِلذَّاتِ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَمْدُ أَوَّلًا تَنْبِيهًا عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ عُلِّقَ عَلَى الْأَفْضَالِ تَنْبِيهًا عَلَى الثَّانِي قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّيَالَكُوتِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَالِاسْتِحْقَاقُ الذَّاتِيُّ مَا لَا يُلَاحَظُ مَعَهُ خُصُوصِيَّةُ صِفَةٍ حَتَّى الْجَمِيعِ لَا مَا يَكُونُ الذَّاتُ الْبَحْثُ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَمْدِ لَيْسَ إلَّا عَلَى الْجَمِيلِ سُمِّيَ ذَاتِيًّا لِمُلَاحَظَةِ الذَّاتِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ صِفَةٍ أَوْ لِدَلَالَةِ اسْمِ الذَّاتِ عَلَيْهِ اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ لَا إشْعَارَ فِي الْكَلَامِ بِالِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ إذْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ تَعْلِيقَ أَمْرٍ بِاسْمٍ غَيْرِ صِفَةٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ مَدْلُولِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُفْهَمُ بِالذَّوْقِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الْحَمْدُ لِلْمُتَفَضِّلِ مَثَلًا لَا مِنْ أَنْ تَعَلَّقَ أَمْرٌ بِاسْمٍ يَدُلُّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ مَدْلُولِهِ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ لَفْظَةُ " اللَّهِ " تَعَالَى لَمَّا دَلَّتْ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَاشْتُهِرَ اتِّصَافُ تِلْكَ الذَّاتِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي ضِمْنِ هَذَا الِاسْمِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُجْعَلَ لِلتَّعْلِيقِ بِهِ فِي حُكْمِ التَّعْلِيقِ بِالْمُشْتَقِّ الدَّالِّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَالْإِفْضَالُ مَصْدَرُ أَفْعَلَ وَلَمْ يُسْمَعْ بَلْ الْمَسْمُوعُ فَضْلٌ عَبَّرَ بِهِ دُونَ أَنْعَمَ كَمَا فِي الْمُصَنَّفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ أَنْعَامَهُ تَعَالَى بِمَحْضِ الْفَضْلِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْوُجُوبِ مَعَ الرَّمْزِ إلَى أَنَّ فِي الشَّرْحِ زِيَادَةَ فَوَائِدَ عَلَى الْمُصَنَّفِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ الزِّيَادَةُ.
وَقَوْلُ الْحَوَاشِي فِي أَوْجُهِ التَّرْجِيحِ إنَّ الْإِفْضَالَ صَرِيحٌ فِي إيقَاعِ الْحَمْدِ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الصَّادِرِ مِنْ الْمَحْمُودِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَلَى نِعَمٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ النِّعَمُ جَمْعَ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُنْعَمِ بِهِ بَلْ الثَّانِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَالْحَمْدُ عَلَى الْفِعْلِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْفِعْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ الْحَمْدِ عَلَى الْأَثَرِ فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ أَثَرُ الْفِعْلِ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْأَثَرِ يُلَاحَظُ فِيهِ أَيْضًا الْفِعْلُ وَمُلَاحَظَةُ شَيْئَيْنِ أَقْوَى مِنْ مُلَاحَظَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ
1 / 6
وَآلِهِ.
هَذَا مَا اشْتَدَّتْ
ــ
[حاشية العطار]
النِّعْمَةِ الْمَطْلُوبِ فِي مَقَامِ الْحَمْدِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إنَّ الْحَمْدَ هُوَ إظْهَارُ صِفَةِ الْكَمَالِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِالنِّسْبَةِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَيَكُونُ تَعْلِيلًا لِلْحُكْمِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ لَا الْحُكْمَ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْحَاكِمِ إذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إذْعَانِ النِّسْبَةِ وَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ خَبَرِ الشَّاكِّ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ فِيهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَجَوَّزَ الْحَوَاشِي فِي تَعْلِيقِ الظَّرْفِ وُجُوهًا مِنْهَا أَنَّهُ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْدِ وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ لُزُومَ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَصْدَرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَعْمُولَاتِهِ إلَّا أَنْ يُغْتَفَرَ ذَلِكَ فِي الظُّرُوفِ لِكَثْرَةِ تَوَسُّعِهِمْ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ حِينَئِذٍ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ الْحَمْدُ عَلَى أَفْضَالِ اللَّهِ ثَابِتٌ لِلَّهِ وَثُبُوتُ الْحَمْدِ عَلَى أَفْضَالِ اللَّهِ لِلَّهِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمُضَافُ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ عَمَلَ الْمَصْدَرِ الْمُعَرَّفِ " بِأَلْ " قَلِيلٌ حَتَّى قَالَ الْجَامِيُّ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَصَادِرِ الْمُعَرَّفَةِ بِاللَّامِ عَامِلًا فِي فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ صَرِيحٍ بَلْ قَدْ جَاءَ عَامِلًا بِحَرْفِ الْجَرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٤٨] وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَصْدَرَ إنَّمَا عَمِلَ؛ لِأَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ انْحِلَالِهِ إلَى " أَنْ وَالْفِعْلِ " فَكَمَا لَا تَدْخُلُ لَامُ التَّعْرِيفِ عَلَى أَنْ مَعَ الْفِعْلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُقَدَّرِ بِهِ وَبِهَذِهِ الْعِلَّةِ يَظْهَرُ لَك وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ فِيهِ إخْبَارًا عَنْ الْمَصْدَرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَعْمُولَاتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إخْبَارٍ عَنْ الْمَوْصُولِ قَبْلَ تَمَامِ صِلَتِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَيْضًا فِي عِلَّةِ الِامْتِنَاعِ إنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ مَعْمُولٌ لِلْمَصْدَرِ فَهُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الصِّلَةِ وَالْخَبَرُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا وَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا أَيْضًا ضَعْفُ تَجْوِيزِهِمْ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ خَبَرَ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَمْدِي؛ لِأَنَّ فِيهِ عَمَلَ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفًا وَعِلَّتُهُ مَا ذَكَرْنَا فَيَرْجِعُ لِحَذْفِ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ مَعَ بَقَاءِ مُتَعَلِّقِ الصِّلَةِ تَأَمَّلْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ إلَخْ فَمُنْدَفِعٌ بِجَعْلِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً كَمَا بَيَّنَّا وَعَلَى تَقْدِيرِ خَبَرِيَّتِهَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا إخْبَارُ أَحَدٍ بَلْ قُصِدَ بِهَا تَحْصِيلُ الْحَمْدِ كَبَقِيَّةِ صِيَغِ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ وَكَيْفَ لَا وَمَنْ الَّذِي قُصِدَ إخْبَارُهُ حَتَّى تَكُونَ الْإِفَادَةُ لَهُ وَلَوْ فُرِضَ مُخَاطَبٌ قُصِدَ إخْبَارُهُ لَكَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ بِقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَنَا وَنَقَلَ يَاسِينُ فِي حَوَاشِي الصُّغْرَى عَنْ الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ لَا يَلْزَمُهَا الْإِخْبَارُ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّحْمِيدُ فَيَكُونُ قَائِلُهَا حَامِدًا كَمَا كَانَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مُتَحَسِّرَةً وَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا مُحْتَمَلَةً لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهَا إذَا نُظِرَ لِمُجَرَّدِ مَفْهُومِهَا تَحْتَمِلُهَا وَهَذَا هُوَ الْفَاصِلُ لِلْخَبَرِ عَنْ الْإِنْشَاءِ وَقَوْلُهُمْ فِي الْجَوَابِ إنَّنَا نُلَاحِظُ الْمُضَافَ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ يَأْبَاهُ مَقَامُ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِضَافَةِ كَمَا قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ الْإِشَارَةُ إلَى حُضُورِ الْمُضَافِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ كَمَا أَنَّ اللَّامَ إشَارَةٌ إلَى حُضُورِ مَا عُرِفَ بِهَا فِيهِ اهـ.
فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْإِفْضَالُ الْكَامِلُ الظُّهُورُ الْبَالِغُ إلَى حَدِّ حُضُورِهِ فِي ذِهْنِ كُلِّ أَحَدٍ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْمُتَّصِفُ بِهِ أَنْ يَحْمَدَهُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ يَبْقَى الْمُضَافُ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ فَيَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ مَا وَلَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ كَمَا سَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ عَنْ قَرِيبٍ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُرَدُّ تَقْدِيرُ جَعْلِ الظَّرْفِ خَبَرًا عَنْ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ مَا رَجَّحْنَاهُ سَابِقًا أَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ ذَلِكَ انْحِصَارُ عِلَّةِ ثُبُوتِ الْحَمْدِ لِلَّهِ فِي الْإِفْضَالِ
1 / 7
إلَيْهِ حَاجَةُ الْمُتَفَهِّمِينَ لِجَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ شَرْحٍ يَحُلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ غَيْرُ الْأَفْعَالِ كَالذَّاتِ وَصِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ يَكُونُ عِلَّةً أَيْضًا أَمَّا إنْ جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ فَلَا إيرَادَ إذْ ثُبُوتُ جِنْسِ الْحَمْدِ لِأَجْلِ الْإِفْضَالِ لَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي ثُبُوتِ الِانْحِصَارِ فَإِنَّ انْحِصَارَ الْمَاهِيَّةِ فِي شَيْءٍ يَقْضِي أَنَّهُ لَا فَرْدَ لِمَا سِوَاهُ نَظِيرُ مَا قَالَهُ الْمَنَاطِقَةُ فِي الْكُلِّيِّ الْمُنْحَصِرِ فِي فَرْدِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلَّةِ هُنَا الْعِلَّةُ الْبَاعِثَةُ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ لَا الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ كَمَا بَنَوْا عَلَيْهِ كَلَامَهُمْ وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلُوا وُقُوعَ الْحَمْدِ بِالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَتَكَلَّفُوا فِي جَوَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَآلِهِ) وَاقْتَصَرَ عَلَى الْآلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِالصَّحْبِ بَعْدَهُ اخْتَلَّ السَّجْعُ وَإِنْ قَدَّمَهُ يَلْزَمُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ هِيَ الْوَارِدَةُ فِي الْكَيْفِيَّاتِ الْمَرْوِيَّةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ.
وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ فَبِطَرِيقِ الْقِيَاسِ هَذَا إنْ فُسِّرَ الْآلُ بِأَقَارِبِهِ ﷺ فَإِنْ فُسِّرَ بِالْأَتْبَاعِ دَخَلَتْ الصَّحَابَةُ وَكَانَ فِيهِ تَوْرِيَةٌ وَهَذَا أَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ، وَلِوُجُودِ الْمُحَسِّنِ الْبَدِيعِيِّ (هَذَا مِمَّا اشْتَدَّتْ) أَوْرَدَ الْمُسْنَدَ إلَيْهِ اسْمَ إشَارَةٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى كَمَالِ اسْتِحْضَارِهِ وَتَمْيِيزِهِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ بِوَاسِطَةِ الْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ فَإِنَّ أَصْلَ أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ أَنْ يُشَارَ بِهَا إلَى مَحْسُوسٍ مُشَاهَدٍ كَقَوْلِ ابْنِ الرُّومِيِّ
هَذَا أَبُو الصَّقْرِ فَرْدًا فِي مَحَاسِنِهِ ... مِنْ نَسْلِ شَيْبَانَ بَيْنَ الضَّالِّ وَالسَّلَمِ
وَتَقْرِيرُ الِاسْتِعَارَةِ هُنَا غَيْرُ خَفِيٍّ وَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي أَوْلَى لَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ صِلَاتِ الْمَوْصُولِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَيَّانَ فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] الْآيَةَ وَكَأَنَّ هَذَا الْمَوْصُولَ وَصَلَاتَهُ شَرْحٌ لِلْمُتَّقِينَ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ تَرْتِيبِ
1 / 8
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية العطار]
الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ اهـ. بَلْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِ الْمَوْصُولِ أَنْ يُطْلِقَهُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى مَا يُعْتَقَدُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَعْرِفُهُ بِكَوْنِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِحُكْمٍ حَاصِلٍ لَهُ فَلِذَا شُرِطَ فِي صِلَتِهِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلْمُخَاطَبِ لِزَوَالِ إبْهَامِهِ بِتِلْكَ الصِّلَةِ وَكَانَتْ الْمَوْصُولَاتُ مَعَارِفَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرْحَ لَا وُجُودَ لَهُ خَارِجًا قَبْلَ الْإِشَارَةِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْلَمَ الْمُخَاطَبُ اتِّصَافَهُ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ وَمَا وَاقِعُهُ عَلَى شَرْحٍ كَمَا بَيَّنَهُمَا بِقَوْلِهِ لَهُ مِنْ شَرْحِ إلَخْ وَإِنَّمَا أَبْهَمَ الْمَحْكُومَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ فَسَّرَهُ لِتَتَشَوَّقَ النَّفْسُ لِتَفْسِيرِهِ فَيَتَمَكَّنُ الْحُكْمُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَشَدَّ تَمَكُّنٍ وَقَدَّمَ بَعْضَ الصِّفَاتِ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ التَّشَوُّقِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ بِهَذَا إمَّا الْعِبَارَاتُ الذِّهْنِيَّةُ الَّتِي أَرَادَ الشَّارِحُ كِتَابَتَهَا كَمَا قَالَ نَظِيرُهُ الْعَلَّامَةُ الْقَوْشَجِيُّ فِي قَوْلِ الْعَضُدِ فِي مُفْتَتَحِ الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ هَذِهِ فَائِدَةٌ، أَوْ الْمَعَانِي فَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْنَدَ اسْمٌ نَكِرَةٌ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ أَفْرَادِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فَهُوَ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَى أَيِّ شَرْحٍ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِتَخْصِيصِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْحَوَاشِي: ثُمَّ إنْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ إلَخْ، كَلَامٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إذْ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لِلشَّرْحِ كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ أَنَّهُمْ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقُولُونَ وَسَمَّيْتُهُ كَذَا.
وَأَمَّا مَا هُنَا فَالْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ حَمْلِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسَمَّى كَمَا تَوَهَّمُوهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ اُشْتُهِرَ وَطَفَحَتْ بِهِ عِبَارَاتُهُمْ فَلَا يَخْلُو عَنْ الْمُنَاقَشَةِ فَإِنَّ ذِكْرَهُمْ الْخِلَافَ فِي الذِّهْنِ هَلْ يَقُومُ بِهِ الْمُفَصَّلُ كَمَا يَقُومُ بِهِ الْمُجْمَلُ أَوْ لَا لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي إذْ يَقُومُ بِهِ الْأَمْرَانِ مَعًا بِدَلِيلِ تَقْسِيمِهِمْ الْعَلَمَ إلَى الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ فِي ذِكْرِ الْقِيَامِ إشْعَارٌ بِالْقَوْلِ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَقَدْ نَفَاهُ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ.
وَالْقَوْلُ بِعَلَمِيَّةِ الْجِنْسِ ضَعِيفٌ فَإِنَّ عَلَمِيَّتَهُ تَقْدِيرِيَّةٌ اضْطِرَارِيَّةٌ لِضَرُورَةِ الْأَحْكَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ وَعَلَمِ الْجِنْسِ فِي الْمَعْنَى اهـ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّاعِيَ لِجَعْلِهِمْ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ وَتَرْجِيحَهُ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ تَصْحِيحُ الْمَعْنَى حَيْثُ اتَّحَدَا مَعْنًى فَمَا الْمُرَجَّحُ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْعَلَمِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ يُنَافِيهِ دُخُولُ (الـ) فِي نَحْوِ الْمِفْتَاحِ وَالْكَافِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِنَاؤُهُمْ جَعْلَهَا مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الشَّخْصِ عَلَى أَنَّ الذِّهْنَ يَقُومُ بِهِ الْمُفَصَّلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَلْ يَكْفِي فِي وَضْعِ الْعَلَمِ الشَّخْصِيِّ اسْتِحْضَارُهُ وَلَوْ بِوَجْهٍ كُلِّيٍّ كَمَا بَيَّنَهُ الْعِصَامُ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْوَضِيعَةِ وَقَوْلُهُمْ هَلْ الشَّيْءُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ إلَخْ مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ وَالْعَرَضُ يَتَشَخَّصُ بِتَشْخِيصِ مَحَلِّهِ فَيَتَعَدَّدُ قَطْعًا وَكَذَلِكَ الْمَعَانِي تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ التَّعَلُّقَاتِ فَالْأَوْلَى هَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ التَّعَدُّدُ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: اشْتَدَّتْ) أَيْ قَوِيَتْ وَقَوْلُهُمْ عَبَّرَ هُنَا بِ اشْتَدَّتْ وَفِي شَرْحِهِ لِمِنْهَاجِ الْفِقْهِ بِدَعَتْ؛ لِأَنَّ شُرُوحَ الْمِنْهَاجِ السَّابِقَةَ عَلَى شَرْحِهِ أَكْثَرُ وَأَجَلُّ وَأَفْيَدُ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ فَحَاجَتُهُ إلَى شَرْحِهِ دُونَ حَاجَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ إلَى شَرْحِهِ مِنْ النِّكَاتِ الضَّعِيفَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تَعْلِيقَاتٍ أَضْعَفَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ هُنَا دَعَتْ وَهُنَاكَ اشْتَدَّتْ لَارْتَكَبُوا لَهُ عِلَّةً أَيْضًا وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْطَرَ فِي حَوَاشِي أَمْثَالِ هَذَا الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ: الْمُتَفَهِّمِينَ) مِنْ التَّفَهُّمِ وَصِيغَةُ التَّفَعُّلِ كَمَا تَأْتِي لِلصَّيْرُورَةِ كَتَحَجُّرِ الطِّينِ تَأْتِي لِلتَّكَلُّفِ وَالْمُرَادُ هُنَا لَازِمُهُ وَهُوَ إحْكَامُ الشَّيْءِ وَإِتْقَانُهُ؛ لِأَنَّ تَكَلُّفَ الْفِعْلِ يَقْضِي بِإِتْقَانِهِ وَأَحْكَامِهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شُرُوحَ مَنْ قَبْلَهُ يَكْفِي لِأَصْلِ الْفَهْمِ لَكِنْ لَا يَكْفِي لِلتَّفَهُّمِ؛ لِأَنَّهُ التَّكَلُّفُ فِي الْفَهْمِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ فَشَرْحُهُ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِفَهْمِ الْكِتَابِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَفِيهِ مَدْحُ شَرْحِهِ وَبَيَانُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ الشُّرُوحِ لَا يُغْنِي عَنْهُ (قَوْلُهُ: يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ) فِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ فِي يَحِلُّ، وَالْأَلْفَاظُ
1 / 9
وَيُحَقِّقُ مَسَائِلَهُ وَيُحَرَّرُ دَلَائِلَهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَرِينَةٌ أَوْ مَكْنِيَّةٌ فِي الْأَلْفَاظِ وَيَحِلُّ تَخْيِيلٌ وَمَا قِيلَ إنَّهُ تَرْشِيحٌ لِلْمَكْنِيَّةِ فَسَهْوٌ أَوْ فِيهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ حَيْثُ أَسْنَدَ الْحَلَّ إلَى ضَمِيرِ الشَّرْحِ وَحَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْحَ آلَةٌ فِي الْحَلِّ.
(قَوْلُهُ: وَيُبَيِّنُ مُرَادُهُ) أَيْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَوْ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَوْ مُرَادُ مُؤَلِّفِهِ فَهُوَ مَجَازٌ حُذِفَ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِعَارَةُ الْمَكِنِيَّةُ فِي الضَّمِيرِ وَإِثْبَاتُ الْمُرَادِ تَخْيِيلٌ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّ حَلَّ الْأَلْفَاظِ يَلْزَمُهُ بَيَانُ الْمُرَادِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ فِي أَمْثَالِهِ لَا اللُّزُومُ الْعَقْلِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الِانْفِكَاكِ فَإِنَّ مُصْطَلَحَ الْمِيزَانِ الْمُقَامَ هُنَا خِطَابِيٌّ يَنْزِلُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْبَيَانِيِّينَ فَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَلَّ الْأَلْفَاظِ قَدْ لَا يَتَبَيَّنُ بِمُجَرَّدِهِ الْمُرَادُ وَتَبْيِينُ الْمُرَادِ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ حَلِّ الْأَلْفَاظِ كَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَحْوِ وَالْمُرَادُ كَذَا.
(قَوْلُهُ: وَيُحَقِّقُ مَسَائِلَهُ) أَيْ يَذْكُرُهَا عَلَى وَجْهٍ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ يَصْحَبَهَا دَلِيلٌ أَوْ لَا وَالْمَسْأَلَةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْقَضِيَّةِ الْمَلْفُوظَةِ كَذَلِكَ تُطْلَقُ عَلَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ فَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ قُدِّرَ مُضَافٌ أَيْ أَحْكَامُ مَسَائِلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيُحَرِّرُ دَلَائِلَهُ) أَيْ يُخَلِّصُهَا عَمَّا يُخِلُّ بِوَجْهِ الدَّلَالَةِ أَوْ يَدْفَعُ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُنَوَّعِ شُبِّهَ ذَلِكَ التَّخْلِيصُ بِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ بِجَامِعِ زَوَالِ النَّقْصِ فِي كُلٍّ وَإِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَمَالِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ وَالدَّلَائِلُ جَمْعُ دَلَالَةٍ بِمَعْنَى الدَّلِيلِ فَهُوَ جَمْعٌ قِيَاسِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ
1 / 10
عَلَى وَجْهٍ سَهْلٍ لِلْمُبْتَدِئِينَ حَسَنٍ لِلنَّاظِرِينَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ آمِينَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (نَحْمَدُك اللَّهُمَّ) أَيْ نَصِفُك بِجَمِيعِ صِفَاتِك إذْ الْحَمْدُ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى جَمِيلٌ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ إذْ الْمُرَادُ بِهِ إيجَادُ الْحَمْدِ لَا الْإِخْبَارُ سَيُوجَدُ وَكَذَا قَوْلُهُ نُصَلِّي وَنَضْرَعُ الْمُرَادُ بِهِ إيجَادُ الصَّلَاةِ وَالضَّرَاعَةِ لَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُمَا سَيُوجَدَانِ. وَأَتَى بِنُونِ الْعَظَمَةِ.
ــ
[حاشية العطار]
وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فِعَالَةً
وَقِيلَ جَمْعُ دَلِيلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الْمَحَلِّيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِتَحْرِيرِ دَلَائِلِهِ تَحْرِيرَ دَلَائِلِهِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ فَرُبَّمَا ذَكَرْنَا الْأَدِلَّةَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ ذِكْرَ أَدِلَّةِ مَسَائِلِهِ مُحَرَّرَةً أَوْ أَعَمَّ مِنْ تَحْرِيرِ الْأَدِلَّةِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ وَمِنْ ذِكْرِهِ أَدِلَّةَ بَقِيَّةِ مَسَائِلِهِ مُحَرَّرَةً اهـ.
فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ تَحْرِيرُ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي وَعَلَى الثَّانِي تَحْرِيرُ دَلَائِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَعَلَى الثَّالِثِ تَحْرِيرُ دَلَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهِ إمَّا بِأَنَّهَا فِيهِ أَوْ أَنَّهَا دَلَائِلُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَمَنْشَأُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ إضَافَةُ دَلَائِلَ إلَى الْكِتَابِ وَعَطْفُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ تَامَّةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ عَرِيقٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ
إلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ ... وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ
(قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ) تَنَازَعَهُ كُلُّ مَنْ يَحِلُّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: سَهْلٌ لِلْمُبْتَدِئِينَ) لَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِصُعُوبَةِ كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ فُحُولِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ سُهُولَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ لِزِيَادَةِ تَحْرِيرِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ سُهُومَ الْبَيَانِ لَا تُنَافِي غُمُوضَ الْمَطَالِبِ فِي ذَاتِهَا وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ: حَسَنٌ لِلنَّاظِرِينَ) أَيْ الْمُتَأَمِّلِينَ فِيهِ وَقَيَّدَهُ بِالنَّاظِرِينَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَحْسُنُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَحْسُنُ لِلنَّاظِرِينَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِمْ مَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ الْحُسْنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ قَادِحٍ فِي حُسْنِ الشَّيْءِ فِي الْوَاقِعِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ
وَإِذَا خَفِيتُ عَنْ الْغَبِيِّ فَعَاذِرٌ ... أَنْ لَا تَرَانِي مُقْلَةٌ عَمْيَاءُ
فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ بَلَغَ مَبْلَغًا مِنْ الْحُسْنِ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ وَاحْتِمَالُ أَنَّ حُسْنَهُ لِلنَّاظِرِينَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فِي نَفْسِهِ بَعِيدٌ عَنْ الْمَقَامِ.
(قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ صِفَاتِك) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ لِعَجْزِ الْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ عَنْ الْإِحَاطَةِ بِكِمَالَاتِهِ - تَعَالَى - تَفْصِيلًا وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ مَدْلُولًا لِلصِّيغَةِ وَحْدَهَا إذْ الْمَدْلُولُ نُثْنِي عَلَيْك فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ وَلِذَا عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ إذْ الْحَمْدُ إلَخْ فَنَقَلَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ عَنْ الْفَائِقِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقَدِّمَةَ الْقَائِلَةَ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ جَمِيلٌ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَذْكُورَ يَحْتَاجُ لِمَعُونَةٍ فَهَذَا إنْشَاءُ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِحَالِ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ نَحْمَدُك وَقَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِ التَّعْظِيمِ مُرَادًا بِأَنَّ الْجُمْلَةَ قُصِدَ بِهَا إيجَادُ الْحَمْدِ وَإِنْشَاؤُهُ لَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ سَيُوجَدُ.
وَفِي تَصْدِيرِ الْمُضَارِعِ بِسِينِ الِاسْتِقْبَالِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ نَحْمَدُك وَنَحْوَهُ إنَّمَا يَكُونُ إخْبَارًا بِالنَّظَرِ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبِلِ لَا الْحَالِ فَهُوَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ مِنْهُ حَمْدٌ أَوْ إمَّا أَنَّهُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ أَوْ بِبَعْضِهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ فَهَذَا وَجْهٌ مُرَجَّحٌ لِاخْتِيَارِ جَعْلِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الِاسْتِقْبَالُ هُنَا فِي الْجُمْلَةِ الْمُضَارِعَةِ مَعَ كَوْنِ الْمُضَارِعِ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ فِعْلٌ لِسَانِيٌّ فَلَا يُمْكِنُ الْإِخْبَارُ عَنْهُ حَالَ الْمُبَاشَرَةِ بِهِ فَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ إخْبَارًا لَا يَكُونُ إخْبَارًا عَنْ الْحَالِ فَهُوَ إمَّا إنْشَاءٌ أَوْ خَبَرٌ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ لَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ الِاسْتِقْبَالِ تَفُوتُ النُّكْتَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا يَتِمُّ هَذَا فِي نُصَلِّي وَنَضْرَعُ إذْ الْمَقْصُودُ بِهِمَا الْإِنْشَاءُ، فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا عَنْ حَمْدٍ
1 / 11
لِإِظْهَارِ مَلْزُومِهَا الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ لَهُ يَتَأَهَّبُ لَهُ الْعِلْمُ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١] .
وَقَالَ مَا تَقَدَّمَ دُونَ نَحْمَدُ اللَّهَ الْأَخْصَرُ مِنْهُ.
ــ
[حاشية العطار]
حَاصِلٍ كَمَا إذَا قِيلَ أَتَكَلَّمُ مُخْبِرًا عَنْ التَّكَلُّمِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بِنَاءً عَلَى مَا حَقَّقَهُ بَعْضُ حَوَاشِي شَرْحِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَنْهَا فِي الْوَاقِعِ فَلَا تَكُونُ حِكَايَةً عَنْ نَفْسِهَا إذْ مُحَاكَاةُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَارَ احْتِمَالُ الْمُطَابَقَةِ واللامطابقة مِنْ خَوَاصِّ التَّصْدِيقَاتِ فَإِنَّ الصُّورَةَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ لَا تَجْرِي فِيهَا التَّخْطِئَةُ وَالتَّغْلِيطُ وَقَالَ مِيرْ زَاهِدْ فِي حَوَاشِي ذَلِكَ الشَّرْحِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ هُوَ مِصْدَاقُ الْقَضِيَّةِ وَمِصْدَاقُهَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ نَفْسَهَا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَى قَوْلِهِ " وَأَتَى بِنُونِ الْعَظَمَةِ " تَوْجِيهٌ لِاخْتِبَارِ كَوْنِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً لِمَا ذُكِرَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَنَاسُقِ الْجُمَلِ فِي الْعَطْفِ فَالْجُمَلُ الثَّلَاثَةُ مِنْ قِبَلِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِنْشَاءِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِإِظْهَارِ مَلْزُومِهَا) أَيْ الْعَظَمَةِ وَذَلِكَ الْمَلْزُومُ تَعْظِيمُ اللَّهِ لَهُ كَمَا قَالَ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ إلَخْ وَعِلَّةُ الْإِظْهَارِ امْتِثَالٌ قَوْله تَعَالَى ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١]
وَخُلَاصَتُهُ، أَنَّهُ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ إلَى النُّونِ الَّتِي لِلْجَمَاعَةِ أَوْ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعَظِّمِ نَفْسَهُ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ النُّونُ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ وَالشَّخْصُ إنَّمَا يُنْشِئُ فِعْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِمُشَارَكَةٍ. نَعَمْ، عَلَى تَقْدِيرِ الْخَبَرِيَّةِ هِيَ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ وَتَكُونُ إخْبَارًا عَنْهُ وَعَنْ لِسَانِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَصِحُّ الْإِنْشَائِيَّةُ بِتَخَيُّلِ أَنَّهُ يُنْشِئُ الْحَمْدَ بِلِسَانِهِ وَبِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ فَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حَامِدِينَ لَكِنَّهُ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخَيُّلِ فَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَجَعْلُ النُّونِ هُنَا لِلْمُعَظِّمِ نَفْسِهِ اسْتِعْمَالٌ كِنَائِيٌّ فَإِنَّ النُّونَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعَظَمَةِ لِيَنْتَقِلَ الذِّهْنُ مِنْهَا إلَى مَلْزُومِهَا الَّذِي وَهُوَ التَّعْظِيمُ كَذَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لَا فِي مَلْزُومِهِ فَإِنَّ اللَّازِمَ لَا يَدُلُّ عَلَى مَلْزُومِهِ بِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ وَإِنَّمَا الْمَلْزُومُ يَدُلُّ عَلَى لَازِمِهِ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ هُنَا لَازِمٌ أَيْضًا إذْ مُرَادُ الْبَيَانِيِّينَ اللُّزُومُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ أَوْ الْغَلَبَةِ أَوْ الْقَرِينَةِ أَوْ الِادِّعَاءِ فَيَدَّعِي هُنَا مُسَاوَاةَ اللُّزُومِ وَالِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَعْنًى كِنَائِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ يُرَادَ الْعَظَمَةُ وَالتَّعْظِيمُ مَعًا وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم: ٣٢]؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّزْكِيَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا مَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْفَخْرِ لَا مَا كَانَتْ بِنَحْوِ تَعْرِيفِ مَقَامِهِ فِي الْعِلْمِ لِيَقْصِدَ وَيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ إنَّ خِطَابَ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدِهِ مَقَامُ التَّلَبُّسِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْكِسَارِ وَلَيْسَ مَقَامَ تَعَرُّضٍ لِعَظَمَةِ الْعَبْدِ فَمُنْدَفِعٌ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَتُجْعَلُ هَذِهِ النِّعْمَةُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ لِرَبِّهِ بِالْخُضُوعِ فَالْمُرَادُ بِالتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ هُنَا الِاعْتِرَافُ بَيْنَ يَدَيْ الْحَقِّ بِهَا فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الشُّكْرِ أَيْضًا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ أَيْضًا إنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِالتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ لَا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخِطَابُ هُنَا مَعَهُ سُبْحَانَهُ.
(قَوْلُهُ: الْأَخْصَرُ مِنْهُ) أَفْعَلُ
1 / 12
لِلتَّلَذُّذِ بِخِطَابِ اللَّهِ وَنِدَائِهِ.
وَعَدَّلَ عَنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ الصِّيغَةَ الشَّائِعَةَ لِلْحَمْدِ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ.
ــ
[حاشية العطار]
التَّفْضِيلِ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ كَالْمُضَافِ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمِنْ فَيُؤَوَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ " أَلْ " زَائِدَةٌ أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَدْخُولَهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ أَوْ بِأَنَّ مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَخْصَرَ مُقَدَّرٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْمَذْكُورِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ
وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًا ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ
كَذَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَنُظِرَ فِي التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ بِصَيْرُورَةِ مَدْخُولِ " أَلْ " نَكِرَةً فَيَلْزَمُ نَعْتُ نَحْمَدُ اللَّهَ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ بِالنَّكِرَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ (وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ) بِجَعْلِهِ بَدَلًا أَوْ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ قِيلَ وَهَلْ يُرَدُّ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا جِنْسِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَدْخُولَهَا لَهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ مَدْخُولَا " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ إجْرَاؤُهُ مَجْرَاهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ إجْرَائِهِ مَجْرَى الْمَعْرِفَةِ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ.
أَقُولُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ التَّكَلُّفِ فَالْأَحْسَنُ، الْقَوْلُ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ فَإِنَّ جَعْلَهَا جِنْسِيَّةً مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْجَامِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ إنَّ اللَّامَ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْعَهْدِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُشَارُ بِاللَّامِ إلَى مُعَيَّنٍ بِتَعْيِينِ الْمُفَضَّلِ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا طُلِبَ شَخْصٌ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ فَقُلْتَ عَمْرٌو الْأَفْضَلُ أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ.
(قَوْلُهُ: لِلتَّلَذُّذِ) بِخِطَابِ اللَّهِ وَنِدَائِهِ الْخِطَابُ بِالْكَافِ وَالنِّدَاءُ بِالْمِيمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَا وَعُوِّضَ عَنْهَا بِالْمِيمِ وَلِهَذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَشُدِّدَتْ لِتَكُونَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ لَاهُمَّ بِحَذْفِ " أَلْ " هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ وَالتَّقْدِيرُ يَا اللَّهَ آمِنَّا بِخَيْرٍ أَيْ اقْصِدْنَا ثُمَّ حُذِفَ لِلِاخْتِصَارِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُنَاكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمِيمَ زَائِدَةٌ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ كَمَا زِيدَتْ فِي " زُرْقُمٍ " لِشِدَّةِ الزُّرْقَةِ وَاِبْنُم فِي الِابْنِ قَالَ السَّيِّدُ وَهُوَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْظِيمِ وَإِنْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ فَإِنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِنَا تَاللَّهِ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ قَالَ الْكَمَالُ وَيَصِحُّ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ أَيْضًا بِمَا فِي الْخِطَابِ وَالنِّدَاءِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ حَمْدَهُ وَاقِعٌ عَلَى وَجْهِ الْإِحْسَانِ الْمُفَسَّرِ «بِقَوْلِهِ ﷺ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ ﵇ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ»؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخِطَابِ وَالنِّدَاءِ دَالٌّ عَلَى الْحُضُورِ.
(قَوْلُهُ: إذْ الْقَصْدُ) أَيْ بِالصِّيغَةِ الشَّائِعَةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الصِّيغَةُ الشَّائِعَةُ لِلْحَمْدِ مِنْ أَنَّ صِيغَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ " لِإِنْشَاءِ الْحَمْدِ أَيْ لِإِنْشَاءِ الثَّنَاءِ " عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ إلَخْ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْعُدُولِ عَنْ تِلْكَ الصِّيغَةِ إلَى مَا قَالَهُ.
(قَوْلُهُ: مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ لَامَ " لِلَّهِ " لِلْمُلْكِ وَمِثْلُهُ مَا إذَا جُعِلَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَنَّ " أَلْ " استغراقية أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ الْخَلْقِ لِإِخْرَاجِ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذْ مَرْجِعُهُ لِصِفَةِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالثَّنَاءِ وَصِفَاتُهُ تَعَالَى لَا تَتَّصِفُ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْإِيهَامِ اللَّفْظِيِّ وَإِنْ كَانَتْ اللَّامُ الَّتِي لِلْمُلْكِ مَعْنَاهَا الِارْتِبَاطُ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الْحَنَفِيَّةِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ إذْ الصِّفَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِمَوْصُوفِهَا وَلَوْ جُعِلَتْ لَامُ " لِلَّهِ " لِلِاخْتِصَاصِ لَدَخَلَ الْحَمْدُ الْقَدِيمُ أَيْضًا وَيُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إذْ لَيْسَ غَرَضُهُ إلَّا بَيَانَ كَوْنِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً لَا خَبَرِيَّةً فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُ ثَنَائِهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَقُولُ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ إنْشَاءً مَضْمُونًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ كَمَا بَيَّنُوهُ وَهُوَ إنَّمَا الْمَقْصُودُ إنْشَاءُ الثَّنَاءِ بِمَضْمُونِهَا وَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ شُمُولِ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ أَيْضًا فَتَدَبَّرْ تَقْيِيدَهُمْ إفَادَةَ أَلْ الْجِنْسِيَّةِ لِلِاخْتِصَاصِ بِجَعْلِ لَامِ لِلَّهِ لِلْمُلْكِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ بَلْ
1 / 13
لَا الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَصْلِ فِي الْقَصْدِ بِالْخَبَرِ مِنْ الْإِعْلَامِ بِمَضْمُونِهِ إلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ بِرِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
ــ
[حاشية العطار]
هِيَ وَحْدَهَا مُفِيدَةٌ لَهُ فَنَقُولُ كُلَّمَا كَانَ لَامُ الْمُلْكِ كَافِيًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَالْبِنَاءُ عَلَى دَلَالَةِ مَجْمُوعِ اللَّامَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنْ الْمُقَدَّمُ حَقٌّ فَكَذَا التَّالِي.
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لَامَ الْمُلْكِ يَدُلُّ مَعْنَاهُ بِمُجَرَّدِ انْضِمَامِهِ إلَى مَجْرُورٍ فَمَعْنَاهُ اخْتِصَاصُ شَيْءٍ بِمَجْرُورِهِ لِاخْتِصَاصِ حَمْدٍ مُعَيَّنٍ بِكَوْنِ كُلِّ حَمْدٍ أَوْ جِنْسِ الْحَمْدِ أَوْ الْحَمْدِ الْمَعْهُودِ بِمَجْرُورِهِ فَإِنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ إنَّمَا هِيَ مَجْمُوعُ اللَّامَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِتَقْيِيدِ إفَادَةِ لَامِ الْمُلْكِ الِاخْتِصَاصَ بِانْضِمَامِ " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ بَلْ يَجْرِي هَذَا فِي الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِفَادَةَ الْمَذْكُورَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ضَمِيمَةِ اللَّامِ عَلَى سَائِرِ احْتِمَالَاتِهَا فَالْقَصْرُ قُصُورٌ لَا يُقَالُ اخْتِصَاصُ شَيْءٍ مَا بِمَجْرُورِهِ مَعْنًى كُلِّيٌّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَعْنَى الْحَرْفِ جُزْئِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُهُمْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ وَالْإِضَافِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ وَإِلَّا فَالِابْتِدَاءُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِنَا سِرْتُ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْكُوفَةِ لَيْسَ جُزْئِيًّا حَقِيقِيًّا أَيْضًا إذْ ذَلِكَ الِابْتِدَاءُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا لَا تُحْصَى مِثْلَ الِابْتِدَاءِ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَكُلُّهَا مِنْ هَذِهِ أَفْرَادٌ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الِابْتِدَاءُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْحُرُوفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اخْتِصَاصَ شَيْءٍ مَا بِاَللَّهِ تَعَالَى جُزْءٌ إضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى اخْتِصَاصِ شَيْءٍ مَا بِشَيْءٍ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْحُرُوفَ مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانٍ جُزْئِيَّةٍ حَقِيقِيَّةً فَالدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الْفَهْمِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى شَرْحِ التَّهْذِيبِ لِلْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَامَ الْمُلْكِ بِمُجَرَّدِ انْضِمَامِهِ إلَى الْمَجْرُورِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَاهُ وَلَوْ إجْمَالًا فَيَكُونُ دَالًّا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَا الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الثَّنَاءُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّهُ مَالِكٌ إلَخْ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ جُمْلَةَ الْحَمْدِ لِلَّهِ إذَا كَانَتْ خَبَرِيَّةً لَا تُفِيدُ الْحَمْدَ وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكٌ أَوْ مُخْتَصٌّ بِالْحَمْدِ حَامِدٌ قَالَ بَعْضٌ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْحَمْدِ لَيْسَ بِحَامِدٍ هُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ اهـ.
وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَا إنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِمَا كَادَ يَصِيرُ إجْمَاعًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جُمْلَةَ الْحَمْدَلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً خَبَرِيَّةً أَوْ إنْشَائِيَّةً مُفِيدَةٌ لِلْحَمْدِ ضِمْنًا وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِي هَذَا النَّفْيِ إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِحِ لَيْسَ إلَّا بَيَانَ مَا يُقْصَدُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فِي مَقَامِ الْحَمْدِ مِنْ إنْشَاءِ الثَّنَاءِ بِهَا وَإِنْ حَصَلَ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا أَيْضًا فَجَعَلَ الشَّارِحُ تِلْكَ الْجُمْلَةَ إنْشَائِيَّةً لِيُوَافِقَ الْوَاقِعَ مِنْ الْجَامِدِ لَا لِتَوَقُّفِ حُصُولِ الْحَمْدِ عَلَى كَوْنِهَا إنْشَائِيَّةً فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَكُلُّ هَذَا بَعِيدٌ عَنْ مَذَاقِ عِبَارَةِ الشَّارِحِ بَلْ مَقْصُودُ مَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي مِنْ أَنَّ قَصْدَ الْمُخْبِرِ إمَّا إعْلَامُ الْمُخَاطَبِ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَصْلُ أَوْ إعْلَامُهُ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَالِمٌ بِذَلِكَ الْمَضْمُونِ كَقَوْلِك لِمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَنْتَ تَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَالْأَوَّلُ مُسَمَّى فَائِدَةِ الْخَبَرِ وَالثَّانِي مُسَمَّى لَازِمِهَا إذْ إعْلَامُ الْمُخَاطَبِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَالِمٌ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ إعْلَامِهِ بِمَضْمُونِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفَكُّ قَصْدُهُ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُطَوَّلِ عِنْدَ قَوْلِ التَّلْخِيصِ لَا شَكَّ أَنَّ قَصْدَ الْمُخْبِرِ إفَادَةُ الْمُخَاطَبِ إمَّا الْحُكْمَ أَوْ كَوْنَهُ عَالِمًا بِهِ أَيْ مَنْ يَكُونُ بِصَدَدِ الْإِخْبَارِ وَالْإِعْلَامِ لَا مَنْ يَتَلَفَّظُ بِالْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مَا تُورَدُ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ لِأَغْرَاضٍ أُخَرَ سِوَى إفَادَةِ الْحُكْمِ أَوْ لَازِمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ امْرَأَةِ عِمْرَانَ ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ [آل عمران: ٣٦] إظْهَارًا لِلتَّحَسُّرِ وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ [مريم: ٤] إظْهَارًا لِلضَّعْفِ وَالتَّخَشُّعِ إلَخْ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّيَالَكُوتِيُّ وَقَوْلُهُ كَثِيرًا مَا تُورَدُ الْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ أَيْ مُرَادًا بِهَا مَعْنَاهَا وَلَيْسَ إنْشَاءً حَتَّى لَا يَصْلُحَ شَاهِدًا اهـ.
وَقَدْ سَبَقَ لَك أَيْضًا نَحْوُهُ وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا خَبَرِيَّةً تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْأَصْلِ فِي الْإِخْبَارِ مِنْ الْإِعْلَامِ فَالْمُتَكَلِّمُ بِهَا لَا يُقَالُ لَهُ مُعْلِمٌ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا لَهُ مُخْبِرٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إلَى مَا قَالَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ عَدَلَ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ نَحْمَدُك ثَنَاءً بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ حَيْثُ قَالَ الشَّارِحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَيْ نَصِفُك بِجَمِيعِ صِفَاتِك وَقَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْأَبْلَغِيَّةِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَرِعَايَةُ جَمِيعِهَا أَبْلَغُ فَأَبْلَغُ فِي كَلَامِهِ
1 / 14
وَهَذَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا.
وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ إلَّا الْأَبْلَغِيَّةُ هُنَاكَ بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ فَذَلِكَ الْبَعْضُ أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا الْكَثِيرَ فَالثَّنَاءُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ الثَّنَاءِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا نَعَمْ الثَّنَاءُ بِهَا مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ الثَّنَاءِ بِهِ.
(عَلَى نِعَمٍ) جَمْعُ نِعْمَةٍ
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ الْمُبَالَغَةِ أَيْ أَزْيَدُ فِي الْمَعْنَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَأَمَّا كَوْنُهَا أَبْلَغَ مِنْ الْبَلَاغَةِ أَيْ أَتَمُّ بَلَاغَةً فَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَامَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهُ سَابِقًا.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الْحَمْدُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أَيْ ثَنَاءٌ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ هِيَ مَالِكِيَّةُ جَمِيعِ الْحَمْدِ وَاعْتَرَضَهُ الْكَمَالُ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ كُلُّ حَمْدٍ مُسْتَحَقٌّ لَهُ تَعَالَى أَوْ مُخْتَصٌّ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ صِفَةٌ تَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إجْمَالًا؛ لِأَنَّ كُلَّ حَمْدٍ مَعْنَاهُ كُلُّ ثَنَاءٍ بِجَمِيلٍ وَكُلٌّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى جَمِيلٌ فَرِعَايَةُ الْأَبْلَغِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِحُ حَاصِلَةٌ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ وَلَا يَدَّعِي أَنَّ الِافْتِتَاحَ بِمَا سِوَى مَا اُفْتُتِحَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ أَبْلَغُ مِنْ الِافْتِتَاحِ بِهِ إلَّا مَنْ ذَهِلَ عَنْ مُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْأَدَبِ مَعَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَأَطَالَ الْمُحَشِّي فِي رَدِّهِ تَرَكْنَاهُ لِمَا فِي أَكْثَرِهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّحَامُلِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا رُوعِيَتْ الْأَبْلَغِيَّةُ وَلَفْظُ هُنَاكَ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ انْتِفَاءَ رِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ صَادِقٌ بِإِرَادَةِ الثَّنَاءِ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ وَالثَّنَاءِ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ الصَّادِقِ بِالثَّنَاءِ بِكُلِّ الصِّفَاتِ وَبِبَعْضِهَا فَلَوْ حَذَفَ الشَّارِحُ قَيْدَ الْبَعْضِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَلْيَقَ بِمَقَامِ تَرْجِيحِ الْفِعْلِيَّةِ.
وَأَجَابَ الْمُحَشِّي بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِأَنْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ الْأَبْلَغِيَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدًا لَهُ وَالْمَعْنَى وَإِنْ انْتَفَتْ مُرَاعَاةُ الْأَبْلَغِيَّةِ بِسَبَبِ أَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِالْبَعْضِ وَبِالْكُلِّ بِخِلَافِ إرَادَةِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ فَاحْتَاجَ لِبَيَانِهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ بِأَنْ لِلتَّمْثِيلِ بِمَعْنَى كَانَ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ شَيْخَيْ الشَّافِعِيَّةِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي كُتُبِهِمَا عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ اسْتِقْرَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَابَعَهُمَا الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَذَلِكَ الْبَعْضُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إبْهَامُهُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا وَبِغَيْرِهَا مُطْلَقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَوْ إنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْأَبْلَغِيَّةِ وَقَوْلُهُ فَالثَّنَاءُ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْبَعْضِ أَبْلَغُ مِنْ الثَّنَاءِ بِهَا أَيْ مِنْ تِلْكَ الْوَاحِدَةِ وَقَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ التَّقَادِيرِ لَا كُلِّهَا إذْ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ تِلْكَ الْوَاحِدَةِ بِهِ فَالْمَوْجُودُ الْمُسَاوَاةُ لَا الْأَبْلَغِيَّةُ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَيْ كَمَا أَنَّ الثَّنَاءَ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ أَبْلَغُ وَقَوْلُهُ: نَعَمْ، اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْلَغُ دُفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ أَرْجَحِيَّةِ الثَّنَاءِ بِهِ عَلَى الثَّنَاءِ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهَا أَيْ تَعْيِينُهَا بِالْعِبَارَةِ وَالْحَيْثِيَّةِ لِتَعْلِيلِ الْأَوْقَعِيَّةِ وَقَوْلُهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ أَيْ أَمْكَنُ فِيهَا
1 / 15
بِمَعْنَى إنْعَامٍ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ أَيْ إنْعَامَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهَا الْإِلْهَامُ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَعَلَى صِلَةِ نَحْمَدُ.
وَإِنَّمَا حَمِدَ
ــ
[حاشية العطار]
لِإِلْفِهَا الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ وَقَوْلُهُ مِنْ الثَّنَاءِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْبَعْضِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ بِالْعِبَارَةِ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ مُعَيَّنٌ وَقَدْ يُقَالُ الثَّنَاءُ بِهَا وَإِنْ كَانَ أَوْقَعَ مِنْ حَيْثُ التَّعْيِينُ فَالثَّنَاءُ لَهُ أَبْلَغُ لِشُمُولِهِ لَهَا وَلِغَيْرِهَا الْكَثِيرَ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الثَّنَاءُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ قَالَ الْبَعْضُ وَقَدْ يُوجَدُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ الثَّنَاءَ بِالْجُمْلَةِ الْفَعِيلَةِ بِقَصْدِ الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ كَمَا أَنَّ نِعَمَهُ تَعَالَى لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ وَتَتَزَايَدُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَمْدِهِ بِمَحَامِدَ لَا تَزَالُ تَتَجَدَّدُ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْعَامٍ) وَجْهُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْجَمْعِ حَمْلُ النِّعَمِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأَنْوَاعُ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إنْ أُوقِعَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَثَرِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا الْأَصْلَ إذْ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَالْحَمْدُ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي تَحَقُّقِ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا، عَلَى مَا هُوَ الشَّائِعُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمَنْسُوبُ لِلْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا فِيهِ أَوْ لَا أَوْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا مَجَازٌ عَنْ الْمَدْحِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ فَيَشْمَلُ الْأَخْلَاقَ النَّفْسَانِيَّةَ كَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) قَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي الْمُطَوَّلِ إنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى النِّعْمَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فِعْلًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْأَثَرَ النَّاشِئَ عَنْ الْفِعْلِ قَدْ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ وَصُدُورُهُ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ مِمَّا لُوحِظَ فِيهِ الْفِعْلُ فَلَا مُنَافَاةَ هَذَا الْحَمْلُ تَصْرِيحُهُ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ بِأَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا.
(قَوْلُهُ: لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ) أَيْ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا فَإِنَّ التَّنْوِينَ قَدْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُمَا مَعًا كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فاطر: ٤] أَيْ ذَوُو عَدَدٍ كَثِيرٍ وَآيَاتٍ عِظَامٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إنْعَامَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ النِّعَمَ جَمْعٌ كَثْرَةٍ وَالْإِنْعَامَاتِ جَمْعُ قِلَّةٍ؛ لِأَنَّ جُمُوعَ السَّلَامَةِ لِلذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ لِلْقِلَّةِ فَكَيْفَ فَسَّرَهَا بِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْكَثْرَةِ وَالْعِظَمِ دَفَعَ إرَادَةَ الْقِلَّةِ وَصَرَفَهُ إلَى الْكَثْرَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْهُ الْإِلْهَامُ إلَخْ) خَصَّ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِمُنَاسَبَتِهِمَا لِلْمَقَامِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى صِلَةِ نَحْمَدُ) أَيْ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَلَا يُنَافِيهِ جَعْلُ بَعْضِهِمْ لَهَا تَعْلِيلِيَّةً وَذَكَرَهُ مَعَ كَمَالِ وُضُوحِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ يُحْتَمَلُ تَعَلُّقُ عَلَى بِالْحَمْدِ فِي قَوْلِهِ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ فَلِهَذَا اُحْتُرِزَ عَنْهُ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ جَعْلِي يُؤْذِنُ بِالْحَمْدِ إلَخْ صِفَةً لِنِعَمٍ فَلَوْ جُعِلَ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِالْحَمْدِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ جُزْءًا مِنْ صِفَتِهِ وَامْتِنَاعُهُ بَدِيهِيٌّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ الْجُمْلَةُ صِفَةً لِنِعَمٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَنْتَظِمُ الْجُمْلَتَانِ أَعْنِي جُمْلَةَ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ وَجُمْلَةَ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ
1 / 16
عَلَى النِّعَمِ أَيْ فِي مُقَابَلَتِهَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ وَالثَّانِيَ مَنْدُوبٌ.
وَوَصَفَ النِّعَمَ بِمَا هُوَ شَأْنُهَا بِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية العطار]
بِازْدِيَادِهَا، وَقَوْلُ النَّجَّارِيِّ إنَّ " عَلَى " لَيْسَتْ تَعْلِيلِيَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ بَاعِثَةٌ عَلَى الْحَمْدِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَالْبَعْضُ قَالَ فِي جَوَابِهِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَعْلِيلِ حُصُولِ الشَّيْءِ بِعِلَّةِ قَصْرِ حُصُولِهِ عَلَى تِلْكَ الْعِلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى النِّعَمِ) لَمْ يَقُلْ عَلَى الْإِنْعَامَاتِ مَعَ أَنَّهَا الْمُرَادَةُ كَمَا أَسْلَفَهُ مُجَارَاةً لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي مُقَابَلَتِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عِلَّةً لِصُدُورِ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّقَ الْحَمْدَ أَوَّلًا بِضَمِيرِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ وَهُوَ الْكَافُ فَيُفِيدُ الْحَمْدَ لِلذَّاتِ لَا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ حَمِدَ حَمْدًا مُطْلَقًا أَيْضًا فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ أَشَارَ لِمِثْلِ ذَلِكَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ التَّلْخِيصِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ قَالَ سَمِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا مُطْلَقًا أَيْ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ لَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ أَيْ الْحَمْدُ عَلَى النِّعَمِ وَاجِبًا وَكَانَ الْوَاجِبُ أَهَمَّ مِنْ الْمَنْدُوبِ، لَمْ يُطْلَقْ الْحَمْدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِئَلَّا يَخْرُجَ الْأَهَمُّ بَلْ قَيَّدَ بِالنِّعَمِ لِيَحْصُلَ وَإِنْ حَصَلَ غَيْرُهُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ اهـ.
قَالَ شَيْخُنَا وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُسْتَشْكِلُ نَظَرَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحْقِيِّينَ كَالْعِصَامِ فِي أَطْوَالِهِ بِأَوْجُهٍ مِنْهَا أَنَّ إفَادَةَ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ يُفِيدُ عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُشْتَقًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْعَلَمِ وَالضَّمِيرِ فَلَا يَدُلُّ التَّعْلِيقُ بِهِ عَلَى عِلِّيَّةِ الذَّاتِ وَلَئِنْ سُلِّمَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ غَيْرِ الذَّاتِ كَمَا فِي حَمْدِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ تَنْظِيرٌ فِي مَحَلِّهِ وَإِنْ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ الْجَوَابَ عَنْهُ وَحَيْثُ عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَمْدُ الْمُطْلَقُ أَصْلًا وَلَا التَّنْبِيهُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الْإِشْكَالُ الْمُتَقَدِّمُ اهـ.
وَأَقُولُ قَدْ سَلَفَ مِنَّا مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ التَّفْتَازَانِيِّ وَلْنَذْكُرْ هُنَا أَيْضًا مَا يَنْدَفِعُ بِهِ مَا أَوْرَدُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ وَجْهُ دَلَالَةِ التَّعْلِيقِ الْحَمْدُ بِلَفْظِ اللَّهِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ أَنَّهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الصِّفَاتِ جُعِلَ تَعْلِيقُ الْحَمْدِ بِهِ كَتَعْلِيقِهِ بِالْمُشْتَقِّ الدَّالِّ عَلَى مَنْشَئِيَّةِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْإِنْعَامِ كَأَنَّهُ تَخَصَّصَ بَعْدَ التَّعْمِيمِ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ ذَاتُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِلصِّفَاتِ وَمُسْتَتْبِعَةً لَهَا بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعَانَةٍ بِالْغَيْرِ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْحَمْدِ بِخِلَافِ سَائِرِ الذَّوَاتِ وَوَجْهُ دَلَالَةِ تَعْلِيقِ الْحَمْدِ بِلَفْظِ اللَّهِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الذَّاتِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ تَعْلِيقَ الْحَمْدِ بِالْإِنْعَامِ فَالْعِبَارَةُ الظَّاهِرَةُ الْحَمْدُ لِلْمُنْعِمِ أَوْ لِمَنْ أَنْعَمَ فَإِذَا عَدَلَ إلَى تَعْلِيقِهِ بِاسْمِ الذَّاتِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِنْعَامَ فَلَا بُدَّ مِنْ نُكْتَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ الْحَمْدَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً وَقَوْلُهُ وَاجِبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ وَاجِبًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَاسْتَغْرَقَ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ فِي أَدَاءِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ وَلَمْ تَفِ طَاقَتُهُ إذْ نِعَمُهُ تَعَالَى مُتَوَالِيَةٌ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَنْقَطِعُ سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَجَدُّدِ الْأَعْرَاضِ فَإِنَّهُ إنْعَامٌ بِاسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يَنْحَصِرُ فِي اللِّسَانِ بَلْ يَعُمُّ الْجِنَانَ وَالْأَرْكَانَ فَيُمْكِنُ اسْتِغْرَاقُ عُمُرِهِ فِي الشُّكْرِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ ﷾ مَوْلَى جَمِيعِ النِّعَمِ مُذْعِنًا بِذَلِكَ وَعُرُوضُ الْغَفْلَةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ الِاعْتِقَادِ كَمَا أَنَّ الْغَفْلَةَ فِي الْإِيمَانِ لَا تُزِيلُهُ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ الْمُطْلَقُ.
(قَوْلُهُ: وَوَصَفَ النِّعَمَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّعَمِ الْمَعْنَى لَا اللَّفْظُ
1 / 17
(يُؤْذِنُ الْحَمْدُ) عَلَيْهَا (بِازْدِيَادِهَا) أَيْ يُعْلِمُ بِزِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِلْهَامِ لَهُ وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ. فَيَقْتَضِيَانِ الْحَمْدَ وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِالزِّيَادَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحَمْدِ أَيْضًا
ــ
[حاشية العطار]
وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بِمَا هُوَ مُنَاسِبٌ مِنْ شَأْنِهَا وَقَضِيَّةُ هَذَا تَعَيُّنُ ظَرْفِيَّةِ الْبَاءِ فِي بِقَوْلِهِ.
وَأَمَّا مَا جَوَّزَهُ الْكَمَالُ مِنْ إبْدَالِهِ بِقَوْلِهِ مِنْ بِمَا هُوَ شَأْنُهَا فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْمَوْصُوفَ النِّعَمَ الَّتِي هِيَ الْمَعَانِي كَمَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ اقْتَضَى أَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ بِمَعْنَى قَوْلِهِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَإِنْ جُعِلَ لَفْظُ النِّعَمِ مَذْكُورٌ اقْتَضَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ شَأْنُ لَفْظِ النِّعَمِ وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ. سَمِّ.
وَقَدْ يُمْنَعُ التَّكَلُّفُ بِأَنَّ حَذْفَ الْمُضَافِ كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ وَقَوْلُهُ وَفِي صُحْبَةِ ذَلِكَ نَظَرٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ وَصْفٌ لِلنِّعَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ شَأْنَ لَفْظِ النِّعَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا.
(قَوْلُهُ: يُؤْذِنُ الْحَمْدُ عَلَيْهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَمْدَ مُطْلَقًا يُؤْذِنُ بِالزِّيَادَةِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَمْدِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ نَحْمَدُك اللَّهُمَّ عَلَى نِعَمٍ وَلِيَصِحَّ وَصْفُ النِّعَمِ بِالْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا اهـ سَمِّ وَكَتَبَ الْغُنَيْمِيُّ أَقُولُ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ اهـ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْحَمْدَ عَلَيْهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ يُعْلِمُ) تَفْسِيرٌ لِيُؤْذِنَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ لَكِنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى يَدُلُّ دَلَالَةً الْتِزَامِيَّةً كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ إلَخْ إذْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى شَيْءٍ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ الْتِزَامًا فَالتَّجَوُّزُ فِي الْمُسْنَدِ الَّذِي هُوَ يُؤْذَنُ لَا فِي إسْنَادِهِ إلَى مَرْفُوعِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ يُؤْذِنُ أَيْ يُعْلَمُ الْحَمْدُ عَلَيْهَا الَّذِي هُوَ شُكْرٌ إمَّا بِازْدِيَادِهَا؛ لِأَنَّ صِدْقَ الْوَعْدِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧] يَقْتَضِي كَوْنَ الشُّكْرِ مَلْزُومًا لِلِازْدِيَادِ فَوُجُودُهُ يُؤْذِنُ بِوُجُودِهِ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ لَا يَتَخَلَّفُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ قَرِيبٌ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: بِزِيَادَتِهَا) لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِمُزَاوَجَةِ قَوْلِهِ لِرَشَادِهِمَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الِاكْتِسَابِ وَالْكَسْبِ وَأَصْلُ ازْدِيَادٍ ازْتِيَادٌ أُبْدِلَتْ التَّاءُ دَالًا (قَوْلُهُ: وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ) مُجَرَّدُ هَذَا كَافٍ فِي صِدْقِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ أُرِيدَ بِالْحَمْدِ عَلَى النِّعَمِ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ النِّعَمِ الْوَاصِلَةِ إلَيْهِ لِدُخُولِ الْحَمْدِ عَلَى كُلِّ إلْهَامٍ وَإِقْدَارٍ حِينَئِذٍ قَالَهُ سَمِّ.
(قَوْلُهُ: فَيَقْتَضِيَانِ الْحَمْدَ) أَيْ يَسْتَلْزِمَانِهِ وَاعْتَرَضَهُ سَمِّ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ يَقْتَضِيَانِ وُجُودَ الْحَمْدِ فَمَمْنُوعٌ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ أَوْ لَا يُوجَدَ الْحَمْدُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَحْمَدَ الْإِنْسَانُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى النِّعَمِ فَقَدْ وُجِدَا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَمْدٌ عَلَيْهِمَا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَحْمَدْ بَعْدَ تِلْكَ الْمَرَّةِ وَإِنْ أَرَادَ يَقْتَضِيَانِ طَلَبَ الْحَمْدِ فَمُجَرَّدُ طَلَبِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُودِهِ لَا يُؤْذِنُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا الْمُؤْذِنُ بِهَا وُجُودُهُ وَمُجَرَّدُ طَلَبِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ إذْ امْتِثَالُ الطَّلَبِ غَيْرُ لَازِمٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مُرَاعًى فِي الِاقْتِضَاءِ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْعَبْدِ مِنْ امْتِثَالِ الطَّلَبِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ اهـ وَلَا يَخْفَى صَلَاحِيَّةُ الْجَوَابِ عَلَى اخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْ الشِّقَّيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُحْمَدُ عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الْمُقَارَنَةِ لِلْحَمْدِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ الْإِلْهَامَ وَالْإِقْدَارَ أَيْضًا فَلَا يَحْتَاجُ لِحَمْدٍ آخَرَ وَيُمْكِنُ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الْحَالِيَّةِ وَالِاسْتِقْبَالِيَّة إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لَا يَكُونُ عَلَى
1 / 18
وَهَلُمَّ جَرَّا فَلَا غَايَةَ لِلنِّعَمِ حَتَّى يُوقَفُ بِالْحَمْدِ عَلَيْهَا ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] وَازْدَادَ وَزَادَ اللَّامَ مُطَاوِعًا زَادَ الْمُتَعَدِّيَ تَقُولُ زَادَ اللَّهُ النِّعَمَ عَلَيَّ فَازْدَادَتْ وَزَادَتْ.
(وَنُصَلِّي) .
(عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّدٍ) .
مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَهِيَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ أَيْ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ «أَمَرَنَا اللَّهُ نُصَلِّي عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» إلَخْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا صَدْرَهُ فَمُسْلِمٌ.
وَالنَّبِيُّ
ــ
[حاشية العطار]
النِّعْمَةِ الْغَيْرِ مَوْجُودَةِ حَالَ الْحَمْدِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يُوقَفَ بِالْحَمْدِ عَلَيْهَا) أَيْ تِلْكَ الْغَايَةِ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهَلُمَّ جَرَّا فَحَتَّى تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَازْدَادَ وَزَادَ) اللَّازِمُ تَخْصِيصُ زَادَ بِتَقْيِيدِهِ بِاللَّازِمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ ازْدَادَ مُطَاوِعٌ فِي حَالَتَيْ التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ.
(قَوْلُهُ: وَنُصَلِّي) لَمْ يُسَلَّمْ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهِيَةِ إفْرَادِ الصَّلَاةِ عَلَى السَّلَامِ وَالْقَائِلُ بِالْكَرَاهَةِ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ) عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى نَبِيٍّ لَا صِفَةٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعَلْمَ يَنْعَتُ وَلَا يُنْعَتُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [فاطر: ١٣] مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي حُكْمِ الْإِعْرَابِ إيقَاعُ اسْمِ اللَّهِ صِفَةً لِاسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ وَرَبُّكُمْ خَبَرٌ إنَّمَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ كَالْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ وَإِلَّا فَتَجْوِيزُ نَعْتِ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِمَا لَيْسَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ وَمَا لَيْسَ بِمَوْصُولٍ مِمَّا أَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ أَيْضًا بِامْتِنَاعِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فِي مُفَصَّلِهِ وَأَيْضًا صَرَّحَ فِي أَوَائِلِ الْكَشَّافِ بِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يُوصَفُ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى عَلَمِيَّتِهِ ثُمَّ الْبَدَلِيَّةِ وَإِنْ جَوَّزَهَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ [مريم: ٢] لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ هَا هُنَا أَيْضًا الصِّفَةُ السَّابِقَةُ وَتَقْرِيرُ النِّسْبَةِ تَبَعٌ وَالْبَدَلِيَّةُ تَسْتَدْعِي الْعَكْسَ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ قَيْدٌ أَوَّلٌ مُخْرِجٌ لِلصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَاتِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَقَوْلُهُ الْمَأْمُورُ بِهَا قَيْدٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْغَيْرِ مَأْمُورٍ بِهَا أَعْنِي صَلَاةَ اللَّهِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ) فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ الدُّعَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَالَ الْكُورَانِيُّ الصَّلَاةُ نَفْسُ الدُّعَاءِ، وَالدُّعَاءُ يَلْزَمُهُ التَّعْظِيمُ فَإِنَّ مَنْ دَعَوْتَ لَهُ فَقَدْ عَظَّمْتَهُ فَأُطْلِقَ الْمَلْزُومُ وَأُرِيدَ اللَّازِمُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا أَيْ وَتُعَظِّمُ نَبِيَّك بِأَنْ تَقُولَ يَا إلَهَنَا صَلِّ عَلَيْهِ أَيْ عَظِّمْهُ وَبَجِّلْهُ اهـ.
قَالَ سَمِّ وَهُوَ تَوْجِيهٌ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ فَإِنَّ فِيهِ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ مُخَالَفَةِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَظَاهِرِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَعْنَى الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَرْحُومٌ فَلَا نَطْلُبُ لَهُ الرَّحْمَةَ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّحْمَةِ وَمَرَاتِبَهَا لَا تَنْحَصِرُ وَلَيْسَ جَمِيعُهَا حَاصِلًا لَهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَيُطْلَبُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ حَاصِلًا لَهُ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ هَذَا عَجِيبٌ فَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ إنَّ أَصْلَهَا فِي اللُّغَةِ التَّعْظِيمُ وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِنَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَظِّمْهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ وَفِي الْآخِرَةِ بِتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَمُضَاعَفَةِ أَجْرِهِ وَمَثُوبَتِهِ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّلَاةُ الَّتِي بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ لَا تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَاَلَّتِي بِمَعْنَى الدُّعَاءِ تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الشِّفَاءِ لِعِيَاضٍ نَقْلًا عَنْ الْقُشَيْرِيِّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ زَادَ الْكُورَانِيُّ حَيْثُ جَعَلَ الْأَصْلَ هُوَ الدُّعَاءُ وَاعْتَبَرَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ لَازِمٌ مَشْهُورٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ عِنْدَهُمْ حَتَّى قَالُوا إنَّهُ الْحَقِيقَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَخْذًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ لِأَجْلِ كَوْنِ صَلَاتِنَا عَلَيْهِ مَأْمُورًا بِهَا وَكَوْنِهَا بِمَعْنَى دُعَائِنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ أَخَذْنَا ذَلِكَ مِنْهُ أَخْذًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى هَاتَيْنِ الدَّعْوَتَيْنِ فَقَطْ.
وَأَمَّا الدَّعْوَى الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ أَيْ الرَّحْمَةُ مِنْ صَلَاةِ اللَّهِ بِمَعْنَى رَحْمَتِهِ فَلَا يَدُلُّ لَهَا الْحَدِيثُ بَلْ هُوَ مَعْنًى لُغَوِيٌّ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ النَّقْلُ عَنْهَا (قَوْلُهُ أَمَرَنَا اللَّهُ) أَمَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَمَا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ يُقَالُ أَمَرْتُك الْخَيْرَ وَأَمَرْتُك بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ وَإِنْ كَانَ حَذْفُهَا مَعَ إنْ وَأَنْ مُطَّرِدًا.
(قَوْلُهُ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) أَيْ رَوَيَا غَالِبَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا صَدْرَهُ فَمُسْلِمٌ وَذَلِكَ الصَّدْرُ هُوَ قَوْلُهُ «أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْك»
(قَوْلُهُ: وَالنَّبِيُّ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَهُوَ إنْسَانٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فَرْدٌ وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ النَّبِيِّ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ
1 / 19
إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَإِنْ أُمِرَ بِذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا أَوْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ
ــ
[حاشية العطار]
لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ إذْ الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ لَا يُعْرَفُ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ (قَوْلُهُ: إنْسَانٌ) عَبَّرَ بِهِ مُوَافَقَةً لِلْمَشْهُورِ فِي تَعْبِيرَاتِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى وَلْيَشْمَلْ مَنْ اخْتَلَفَ فِي نُبُوَّتِهِ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي نُبُوَّةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَسَارَةَ وَهَاجَرَ وَقَدْ حَكَى وُقُوعَ هَذَا الْخِلَافِ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ فِي شَرْحِ قَصِيدَةٍ يَقُولُ الْعَبْدُ فِي بَدْءِ الْأَمَالِي وَقَدْ ذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي النُّبُوَّةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْكُورَانِيِّ وَالنَّبِيُّ ذَكَرٌ إلَخْ وَقَالَ وَقَوْلُنَا ذَكَرٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إنْسَانٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اسْتِنْبَاءِ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُذَكَّرِهِ وَمُؤَنَّثِهِ بِالتَّاءِ فَيُقَالُ فِي الذَّكَرِ إنْسَانٌ وَفِي الْأُنْثَى إنْسَانَةٌ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ سَمِّ.
وَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقُ فَإِنَّ إنْسَانَةً مُوَلَّدٌ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ
إنْسَانَةٌ فَتَّانَةٌ ... بَدْرُ الدُّجَى مِنْهَا خَجِلَ
مِنْ كَلَامِ الْمُوَلِّدِينَ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي اللُّغَةِ وَقَالَ مُحَشِّي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ أُخِذَ الْإِنْسَانُ جِنْسًا لِئَلَّا يَدْخُلَ الْمَلَكُ وَالْجِنُّ إذْ النَّبِيُّ لَا يَكُونُ إلَّا إنْسَانًا بِخِلَافِ الرَّسُولِ حَيْثُ جَوَّزُوا كَوْنَهُ مَلَكًا وَلِذَا قِيلَ بِالْعُمُومِ مِنْ وَجْهٍ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ حَيْثُ جَوَّزَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١] كَوْنَ الْمَلَكِ الْمُبَلِّغِ رَسُولًا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَذَهَبَ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى أَنَّ لِلرَّسُولِ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مُسَاوٍ لِلنَّبِيِّ. وَالْآخَرُ: أَخَصُّ مُطْلَقًا. وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ اهـ.
ثُمَّ إنْ أُرِيدَ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ فَالْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ الْإِيصَالُ بِالْفِعْلِ وَإِنْ أُرِيدَ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ فَالْمُرَادُ الدَّلَالَةُ.
(قَوْلُهُ: أَوْحَى إلَيْهِ) قَالَ مُحَشِّي الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ الْوَحْيُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَا حَصَلَ بِلِسَانِ الْمَلَكِ فَوَقَعَ فِي سَمْعِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْمُبَلِّغِ بِآيَةٍ قَاطِعَةٍ وَالْقُرْآنُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
وَالثَّانِي: مَا وَضَحَ بِإِشَارَةِ الْمَلَكِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِالْكَلَامِ.
وَالثَّالِثُ: بِإِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ أَرَاهُ بِنُورٍ مِنْ عِنْدِهِ.
وَاَلَّذِينَ يَرَوْنَ الِاجْتِهَادَ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ جَعَلُوهُ قِسْمًا رَابِعًا وَسَمَّوْهُ وَحْيًا خَفِيًّا وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَحْيًا ظَاهِرًا فَالْوَحْيُ فِي التَّعْرِيفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّ مَا بَلَّغَهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْخَلْقِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا لَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ثَبَتَ بِكَلَامِ الْمَلَكِ أَوْ بِإِشَارَتِهِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي الْوَحْيِ بِجَعْلِهِ شَامِلًا لِمَا أُوحِيَ لِلنَّبِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ إيحَائِهِ إلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَوْحَى إلَى إسْمَاعِيلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ﴾ [النساء: ١٦٣] الْآيَةَ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا لَا نَبِيًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥٤] مَعَ أَنَّ أَوْلَادَ إبْرَاهِيمَ ﵊ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي أَنْوَارِ التَّنْزِيلِ فَإِسْمَاعِيلُ ﵇ مَبْعُوثٌ لِتَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ مِنْ شَرِيعَةِ أَبِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ وَكَذَا أَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَبْعُوثُونَ لِتَبْلِيغِ التَّوْرَاةِ بَعْدَ مُوسَى ﵊ مُوحًى إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [البقرة: ٢٤٦] الْآيَةَ أَنَّهُ يُوشَعُ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ شَمَوْئِيلُ وَأَنَّهُ قَالَ دُعِيتُ اللَّيْلَةَ وَأُوحِيَ إلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ شَمْعُونُ وَأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ وَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى قَوْمِك لِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَةَ رَبِّك فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَك فِيهِمْ نَبِيًّا.
وَعَنْ وَهْبٍ إنَّمَا كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى الْمَبْعُوثُونَ إلَيْهِمْ لِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنْ التَّوْرَاةِ فَأَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَبْعُوثُونَ بِالتَّوْرَاةِ بَعْدَ مُوسَى ﵈ دَاخِلُونَ فِي التَّعْرِيفِ كَإِسْمَاعِيلَ ﵇ فَلَا يَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ عَدَمُ شُمُولِهِ لِمَنْ يَدْعُو إلَى تَقْرِيرِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَلِكَ لَا يُشْكِلُ كَثْرَةُ الرُّسُلِ مَعَ قِلَّةِ الْكُتُبِ وَالصُّحُفِ الْمُنَزَّلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَظَهَرَ لَك مِنْهُ صِحَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا إذْ مَعْنَاهُ صَادِقٌ بِأَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ يَكُونَ نُزِّلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ وَدَعَا هُوَ إلَيْهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ) أَيْ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ
1 / 20
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ أَوْ نُسَخٌ لِبَعْضِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ كَيُوشَعَ فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا قَوْلَانِ.
فَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ الرَّسُولِ عَلَيْهِمَا وَفِي ثَالِثٍ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ مَعْنَى الرَّسُولِ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ وَقَالَ نَبِيِّك دُونَ رَسُولِك؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَلَفْظُهُ بِالْهَمْزِ مِنْ النَّبَأِ أَيْ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ وَبِلَا هَمْزٍ وَهُوَ الْأَكْثَرُ قِيلَ إنَّهُ مُخَفَّفُ الْمَهْمُوزِ بِقَلْبِ هَمْزَتِهِ يَاءً وَقِيلَ إنَّهُ الْأَصْلُ مِنْ النَّبْوَةِ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ الرِّفْعَةِ
ــ
[حاشية العطار]
وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَأَوْ عَطْفٌ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ وَالْوَاوُ عَطْفٌ عَلَى أُوحِيَ الْمَحْذُوفِ مَعَ مَعْطُوفِ أَوْ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ: فَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ الرَّسُولِ) أَيْ عُمُومًا مُطْلَقًا وَهُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي مُسَاوٍ لِلرَّسُولِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ مَنْ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ وَلَا رَسُولٍ بَلْ وَلِيٌّ فَقَطْ كَذَا قِيلَ قَالَ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ تَعْرِيفُ النَّبِيِّ بِإِنْسَانٍ بَعَثَهُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ لِتَبْلِيغِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ لَا يَشْمَلُ مَنْ أُوحِيَ إلَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِكَمَالِهِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَبْعُوثًا إلَى غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ اهـ.
وَنُقِلَ عَنْهُ وَجْهُ التَّكَلُّفِ أَنْ يُحْمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْسَانٌ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِ مَا أَوْحَاهُ لِغَيْرِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ غَيْرًا بِالذَّاتِ أَوْ بِالِاعْتِبَارِ فَزِيدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ مُغَايِرٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَمِلَ بِهِ اهـ. وَحِينَئِذٍ سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاسِطَةُ وَبَعْدَ تَسْمِيَةِ مِثْلِهِ وَلِيًّا فَإِنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَعَلَّهَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَفْظُهُ) أَيْ النَّبِيِّ لَا يُقَيِّدُ كَوْنَهُ مَهْمُوزًا أَوْ غَيْرَ مَهْمُوزٍ.
(قَوْلُهُ: بِالْهَمْزِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَعْرِفَةٍ أَيْ الْكَائِنُ نَعْتَ لَفْظٍ أَوْ نَكِرَةَ حَالٍ مِنْهُ عَلَى رَأْيِ مَنْ جَوَّزَ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْكَائِنِ حَذْفُ الْمَوْصُولِ مَعَ صِلَتِهِ وَإِبْقَاءِ الْمَعْمُولِ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ وَقَدْ اعْتَمَدَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَحَثَ فِيهِمْ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْكَائِنَ الْمُقَدَّرَ فِي مِثْلِهِ لِلثُّبُوتِ كَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَاللَّامُ فِيهِ حَرْفُ تَعْرِيفٍ لَا اسْمٌ مَوْصُولٌ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُخْبِرٌ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَوْ كَسْرِهَا عَلَى أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ الْأَصْلُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَرَّفَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ أَصْلٌ لِلْمَهْمُوزِ وَلَوْ نَكِرَةً لِتَوَهُّمِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ وَزَيَّفَهُ سَمِّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلًا لِمَهْمُوزٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمَهْمُوزِ السَّابِقِ أَوْ كَانَ الْمَهْمُوزُ بِمَعْنَاهُ الْآتِي لِيَتَّحِدَ مَعْنَاهُمَا وَكَيْفَ مَعَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ فَالتَّنْكِيرُ أَنْسَبُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الرِّفْعَةُ) قَالَ ابْنُ سم هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَقُولٍ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الشَّارِحِ مَا أُورِدَ
1 / 21