يضاف إلى ذلك: ما حبا الله به العباسيين من أمثال أبي مسلم الخراساني الذي نجح نجاحا باهرا في الثورة على الأمويين، والدعوة للعباسيين فاستطاع بذلك أن ينتقم من العرب جزاء وفاقا لما انتقم العرب من الفرس في مبدأ الإسلام.
وكان رجلا عظيم الشخصية جبارا، أدار الحرب على الأمويين في مهارة ونشاط وقسوة حتى نجح، ومع ذلك كافأه أبو جعفر المنصور أسوأ مكافأة بقتله بعد أن مهد له الطريق، وأزال منه كل ما اعترضه من عقبات ... شأن الأمويين في نوادر رجالهم، وشأن الرشيد - فيما بعد - فيما فعله مع البرامكة.
كل هذه الأسباب تجمعت، وكانت سببا في سقوط الدولة الأموية، وقيام العباسيين بعدهم ينكلون بهم، ويفتكون بكل من عثروا عليه منهم. (2) الأمويون والعباسيون
على كل حال ما أكبر الفرق بين الدولة الأموية والدولة العباسية ... كان الأمويون يحكمون البلاد حكما عربيا فيه بساطة وفيه عيوب القبلية، أما العباسيون فكانوا يحكمون البلاد حكما فارسيا، وكانت قصور الخلفاء الأمويين قصورا فخمة بسيطة كالذي نشاهده من آثارهم، وكانت قصور العباسيين فخمة معقدة، وكان المثل الأعلى للأمويين أمراء غسان وأمثالهم، أما المثل الأعلى للعباسيين فالأكاسرة.
وكان الولاة في العهد الأموي ذوي عقلية عربية أمثال زياد ابن أبيه، والحجاج، وخالد بن عبد الله القسري، أما في الدولة العباسية فوزراؤهم أمثال البرامكة ممن ينزعون نزعة فارسية، وهكذا ...
وربما اتفق الأمويون والعباسيون على أشياء أهمها شيئان: أولا: حصر الخلافة في بيت واحد ... هؤلاء يحصرونها في الأمويين، وهؤلاء يحصرونها في العباسيين، وتجري الخلافة على قانون الوراثة لا على قانون الشورى، ورأي أهل الحل والعقد، وكذلك: يتفقون في أنهم قلبوا الخلافة إلى ملك عضوض.
الملك العضوض
والفرق بين حكم الشورى والملك العضوض: أن الأول لا ينحصر في بيت ولا في ولي عهد، ولكن يستشار أهل الحل والعقد فيمن يصلح، ولذلك قالوا: إن بيعة عمر لأبي بكر كانت فلتة، وقى الله المسلمين شرها.
أما الثاني فكان الخليفة يعمل على تولية من رأى أن يخلفه، ولو كان غير أهل للخلافة، كما فعل معاوية مع يزيد، وكما فعل الرشيد مع الأمين.
ثانيا: أن كلا من الأمويين والعباسيين خافوا العلويين وكرهوهم، وسلطوا عليهم سيوفهم، مما ألف سلسلة طويلة كالتي رواها أبو الفرج الأصبهاني في كتابه «مقاتل الطالبيين.»
Unknown page