المذاهب الدينية
وانتشرت في بغداد المذاهب الدينية والفرق، قال المقدسي: قلما رأيت في بغداد من فقهاء أبي حنيفة إلا رأيت أربعة: الرياسة مع لباقة فيها، والحفظ، والخشية، والورع. وفي أصحاب مالك أربعا: الثقل، والبلادة، والديانة، والسنة. وفي أصحاب الشافعي: النظر، والشغب، والمروءة، والحمق.
وفي أصحاب داود: الكبر، والحدة، والكلام، واليسار.
وفي أصحاب المعتزلة: اللطافة، والدراية، والفسق، والسخرية.
وفي الشيعة: البغضة، والفتنة، واليسار، والصيت.
بساتين بغداد
كما انتشرت فيها البساتين ... استجلبوا أشجارها من كل الأقطار، واختاروا منها ما يصلح لجو بغداد، وعرفوا موسم كل نبت وكل شجرة، وانتشرت بينهم الزهور، وأعجبوا بها أيما إعجاب، وكان بعضهم يهيم بالورد، وبعضهم يهيم بالنرجس، حتى كان بعضهم يغلق دكانه في موسم الورد، وبعضهم يهيم بالورد الأبيض الخالص أو الأحمر الخالص فتعددت أنواع الورد، وكثر عشاقه، وبعضهم يميل إلى الورد الملون نصفه أحمر ونصفه أصفر، وسموه الورد الموجه.
وكانت في بغداد حدائق للورد خاصة، وحدائق خاصة للأزهار الأخرى، وعرفت لديهم لغات الورد، فلكل نوع منه لغة خاصة للعشيق أو العشيقة، كما اشتهرت بغداد في تلك الأيام برقة أهلها وظرفهم، كما تشتهر باريس في فرنسا اليوم، وأصبح للظرف عندهم قوانين، وأصيب أهل بغداد بالغرور والإدلال ببلدتهم، حتى قالوا: فلان تبغدد أي تلطف وترقق، وشاعت هذه الكلمة إلى عصرنا هذا، قال المقدسي: «ولا أحسن حسانا من أهل بغداد»، وقال أيضا: «هي مصر للإسلام»، ولهم خصائص من ظرافة وقرائح ولطافة ... هواء رقيق، وعلم دقيق، وكل صيد بها، وكل حسن فيها، وكل حاذق منها، وكل قلب إليها، وكل حرب عليها، وقال غيره في وصف أهلها: ندماء ظرفاء نظاف يتناشدون الأشعار، ويتجاذبون أهداب الآداب، ويقولون على من ليس بغداديا إذا كان ظريفا: «فلان ليس من الرقعة، ويتظرف بظرفهم.» •••
وجاء في وصف عريب - المغنية البغدادية - قول بعضهم فيها: «وكانت عريب مغنية محسنة، وشاعرة صالحة للشعر، وكانت مليحة الحفظ والمذهب في الكلام والظرف، وحسن الصورة، والرواية للشعر والأدب، والملاحة والمماجنة مما لم يتعلق به أحد من نظرائها، ولا رئي في النساء نظير لها»، وهذا وصف يكاد يكون المثل الأعلى للبغداديات، وكان يكثر فيهم لثغة الراء بالغين كلثغة الباريسيين اليوم، وصارت لثغتهم لغة من بعدهم، ويعدون هذه اللثغة علامة الرقة.
وقال الجاحظ في وصف البغداديين: «إنهم يستملحون اللثغاء إذا كانت حديثة السن، ومقدودة مجدولة»، وقد رويت لهم الأمثال الكثيرة الظريفة، يقولون: فلان كبش من كبش، مجلس بلا ريحان، كشجرة بلا أغصان، مواعيد الفتيان الآل في الفيافي، كلام يكتب بالغالية على خدود الغانية، من كلام النساء ما يقوم مقام الماء ... إلخ.
Unknown page