363

وتمر الأيام وهي سعيدة بحياتها، والأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يزدادون فقرا.

7

واصل فتح الباب تعلمه في الكتاب وحفظ ما تيسر من القرآن. طابت نفسه بجو الحنان في مقامه الجديد فانزاح غطاء الخوف من نفسه عن كنوز من عواطف غنية وخيال بديع. غلام قمحي اللون، أسود العينين، رائق البشرة، في ذقنه ثغرة، وفي قده رشاقة، ينضح بالعذوبة والفطنة. تناسى أمه كما تناسته، وتعلق بسحر الداية قلبه. أحبها وقدسها، وتلقى منها أنوارا لم تخطر له على بال.

كانت تقول له في ليالي السمر: نحن من أصل واحد مبارك هو عاشور الناجي.

طالما تحدثت بيقين عن ماض غابر كأنما كانت حقا تتنفس فيه.

أنبل الأصول كان أصله، وخاف عليه أبوه من غضب فتوة ظالم، وجاءه في المنام من أمره بأن يترك وليده في الممر في رعاية التكية، وما تردد أن فعل.

ولعن فتح الباب من تقولوا على جده بأنه كان لقيطا، فقالت سحر: من أنبل الأصول كان أصله، وقد ترعرع في أحضان رجل خير، ونما شابا قويا. وذات مرة أمره ملاك في المنام أن يهجر الحارة اتقاء للوباء، ودعا الناس إلى الهجرة ولكنهم سخروا منه، فمضى محزونا بزوجه وولده، ولما رجع أنقذ الحارة من العذاب والذل، كما أنقذه الله من الموت.

وراحت تحكي له قصة عاشور؛ عودته، مقامه في دار البنان، فتونته، عهده، حتى امتلأت عينا الصبي بالوجد والدموع، فقالت سحر: وقد اختفى ذات يوم، وطال اختفاؤه حتى آمن الناس بموته، أما الحقيقة التي لا شك فيها فهي أنه لم يمت.

فسألها فتح الباب بدهشة وأمل: حتى الآن يا جدتي؟ - وحتى الغد! - ولم لا يرجع؟ - علم ذلك عند الله وحده. - قد يرجع فجأة؟ - لم لا؟! - هل علم بما فعل أخي سماحة؟ - طبعا يا بني. - ولم سكت عنه؟ - من يدرى يا بني؟ - هل يرضيه الظلم يا جدتي؟ - كلا يا بني. - لم يسكت عنه؟ - من يدري يا بني؟ ربما لسخطه على تهاون الناس مع الظالم؟

وسكت فتح الباب مليا، ثم عاد يسأل: كل ذلك حقيقي يا جدتي؟ - هل كذبت جدتك قط؟!

Unknown page