وذاعت أخباره فعجب الناس وقالوا: «مجنون ابن مجنون.» واعترضه الشيخ سيد عثمان ذات يوم وسأله: ماذا قطعك عنا؟
فلم يجبه، فسأله بأسى: أحق ما يقال عنك؟
فهجره ماضيا في سبيله.
18
وكان إذا سكر وفقد الوعي تقتحمه مغريات جديدة كأنما تتفجر عنها غرائز رجل آخر. كان ينجذب إلى البنات المراهقات أو من دونهن بقليل، بقوة غشوم، فيعاكسهن ويغازلهن، وإذا خلا إلى إحداهن انبثق من إهابه وحش نهم؛ لذلك كان يتحاشى السكر في النهار خشية العواقب، ويتسلل ليلا إلى الخرابات مثل ذئب جائع. وقادته قدماه ذات ليلة إلى مسكن «دلال» الغانية، وانفرط منه الزمام.
19
غدا رجل الانحلال والفضائح. أوتي قوة كبيرة على الاستهانة بكل شيء. ولعل ما ربطه بدلال أنها كانت صغيرة السن وذات وجه مطبوع بطابع الطفولة، وأنها كانت تتسامح في نزواته الغريبة فتوفرها له بدلا من أن تقصيه عنها أو تعنفه بسببها. وقالت له مرة بصراحة: إني أحب الجنون فلا يهمك ما يقال!
فهتف جلال: أخيرا عثرت على امرأة عظيمة مثل جدتي زهيرة!
وانطرح على ظهره في تراخ وارتياح وراح يعترف لها قائلا: استيقظت ذات صباح فوجدتني سكران بلا خمر. كان يخفق بصدري قلب جديد. كرهت حاضري وذكرياتي، حتى التجارة والربح، ومشاكل البنات المتزوجات. وكرهت امتثال ابني شمس الدين الذي يعمل سواقا عندي وكأنه حمار يسوق حمارا، وكرهت أمه التي يمضي محصنا ببركاتها، ورأيتها تستنزفني بلا وجه حق، كما استنزفتني أمي من قبل بطريقة أخرى. وثار القلب والعقل والكبد وأعضاء التناسل وهتفت: بشرى للشياطين!
فقالت دلال ضاحكة: إنك ألذ رجل في العالم.
Unknown page