ورزق عبد ربه الأب بذكر سماه خالد. وسرعان ما تاب وأقلع عن البوظة بصفة نهائية، ووجد سروره في الصلاة، فاتخذ من الشيخ خليل الدهشان نجيه وصديقه.
وداخله قلق مرعب من ناحية جلال، وقلق أشد من ناحية المئذنة المخيفة. خيل إليه أن علاقة الأبوة تتهتك، وأن ابنه أصبح غريبا لا يمت إليه بصلة، بل أصبح غريبا بين الناس غرابة المئذنة بين الأبنية. إنه مثلها قوي وجميل وعقيم وغامض. وقال له: لن يطمئن قلبي حتى تتزوج وتنجب.
فقال جلال: في الوقت متسع يا أبي.
فقال بتوسل: وحتى تبعث عهد الناجي العظيم.
فابتسم ولم يجب، فقال الأب: وحتى تتوب عن المنكر وتتبع سبيل الله.
وتذكر ماضي أبيه القريب والبعيد فقهقه بصوت كالطبل.
68
مرت الأيام لا يخشى من مرورها، وتتابعت الفصول بلا جزع، وارتفعت الإرادة الصلبة فوق قوى الطبيعة المتصارعة، ولم يعد الغيب يضمر ما يخيف.
وفي هاوية اليأس والحزن تلقت زينات الشقراء دعوة للحب. طالما انتظرتها، طالما تلهفت عليها، طالما تهيأ لها قلبها المكلوم.
ها هو يجود بليلة من لياليه ، ها هي تمضي إلى داره ينطق ظاهرها بالرضا والقناعة. وفتحت النوافذ وانجابت الستائر لتوسع لنسائم بشنس. لقيته بالبشر والمرح، وكتمت في الأعماق أحزانها. تعلمت أن تعامله بحذر الخائف، فراحت تعد الشراب والأقداح، وتهمس في أذنه: اشرب يا حبيبي.
Unknown page