210

فخاب أمله وصمت، فسأله رضوان: وأنت؟

فرسم ابتسامة على شفتيه متظاهرا بالدهشة وقال: يا للمصادفة العجيبة! تصور يا عمي أني أريد شقيقتها عزيزة!

فضحك رضوان ضحكة عالية وقال: فليبارك الله لكما. إني سعيد، وإسماعيل البنان جار نبيل وتاجر أمين.

16

لم يتطهر بالقرار من هواجسه . الغبطة مازجها قلق وجفاء، كما يغرق المطر النقي في الوحل. وضاعف من أساه اطلاع رمانة ورئيفة على سره. وإلى ذلك فقد خاف أن تأبى عزيزة يده المجللة بالإحسان وتدهمهم بكارثة، ولكن جاء البشير بالرضا. وانغرز النصل الطاهر الحامي في اللحم حتى النخاع.

وتعجل الأمر بصورة أذهلت الجميع وأثارت الدعابة.

17

زفت عزيزة ورئيفة إلى قرة ورمانة في عرس واحد. عرس ابتهجت له الحارة كلها. وفي حفل الزفاف رأى قرة الشقيقتين لأول مرة في حياته. هاله تماثلهما كأنهما توءمتان. توسط في الطول والامتلاء، لون خمري نقي البشرة، سواد عميق في العينين، تناسق بديع في القسمات. وفتش عن فروق بين الاثنتين حتى ظفر به في ثغرة في ذقن عزيزة وهي الكبرى، وامتلاء أشد في الشفتين. هذا كله لا وزن له، ولكنه عثر على فارق ملموس في نظرة العينين المتماثلتين؛ نظرة عزيزة ثابتة وهادئة موحية بالطمأنينة، أما نظرة رئيفة فقلقة خاطفة البريق كأنما تستقرئ أعين الآخرين بلا توقف، ويلوح فيهما ذكاء أسود، فسرعان ما توكد في قلبه النفور منها. ولم تحاول إخفاء فوزها، ولعله الوحيد الذي أدرك ذلك، أما عزيزة فكانت تنظر طول الوقت إلى حذائها الأبيض المزين بالأطلس والترتر. وقال لنفسه إنها عروس غير سعيدة، وهو أيضا عريس غير سعيد، وسوف يهون ذلك عليهما اتخاذ القرار المتوقع. ومضى بها إلى الجناح المخصص لهما على دق الدفوف وغناء العالمة وهو يتساءل ترى ماذا فعل بنفسه؟!

18

ولما خلا إليها وجدها متعثرة في الارتباك حتى قمة رأسها. لا تجرؤ على النظر إليه ولا على إتيان أي حركة، بلا حول ولا كرامة، فريسة إحسانه. رق لها بقوة، وضاعف من رقته تأثره بجمالها الفتان الحزين. ولكنه لم ينس أن قلبها مغلق، وأنها غريبة تماما، وأن فستان الزفاف بمثابة بدلة السجين. ما هي إلا فترة عبور لا دوام لها. وفي هذه اللحظة تستكن رئيفة في حضن رمانة مفعمة بالرغبة والفوز. ترى ماذا عليه أن يقول؟ وأعفته من ذلك فجاءه الصوت الناعم قائلا: الشكر لك.

Unknown page