13
كان يتربع في الساحة أمام التكية مودعا الغروب، مستقبلا المساء، ينتظر انسياب الأناشيد ونسمة من نسائم الخريف معطرة بالبرد والأسى، تنزلق من فوق السور العتيق، تشد بذيلها طيفا من أطياف الليل. بدا عاشور متخما بالسكينة ولم تشب له شعرة واحدة. كان يحمل فوق كاهله أربعين عاما وكأنها هي التي تحمله في رشاقة الخالدين.
همسة في باطنه جعلته يحول عينيه نحو ممر القرافة فرأى رجلا يخرج منه يسير في تكاسل. لم يستطع أن يسترد عينيه، عرفه في بقية ضوء المغيب، دق قلبه، وخمد سروره. أقبل الرجل نحوه حتى وقف أمامه حاجبا عنه التكية، ومضى ينظر إليه باسما.
تمتم عاشور: درويش زيدان!
قال درويش معاتبا: هلا بدأت بالتحية؟ مساء الخير يا عاشور!
فنهض باسطا يده وهو يقول بنبرة محايدة: أهلا بك يا درويش. - لم أتغير كثيرا فيما أظن.
مؤسف هذا الشبه بينه وبين المرحوم عفرة، ولكن غلظت قسماته وتحجرت، قال: بلى.
فحدجه بنظرة ذات معنى وقال: رغم أن كل شيء يتغير!
فتجاهل عاشور ملاحظته متسائلا: أين غبت طوال ذاك العمر؟
فقال باستهانة ساخرة: في السجن!
Unknown page