ورفعه بين يديه عاليا ورمى به في الحوض. تفرق الواقفون تاركين الحمير وقد جفلت من رجرجة الماء عقب سقوط الجسم.
ولم يعد يصلح لزيارة الساحة فعدل عنها. وباندفاعة عمياء بادر إلى الخمارة فمرق من بابها مثل عاصفة. سكتت الأصوات المخمورة، وحدقت به الأبصار في توقع ودهشة. جعل ينظر إليهم في تحد غير مفهوم حتى وقفوا مترنحين وخاشعين.
دارت برأسه أفكار شيطانية، وسرعان ما هرع إليه عثمان الدرزي. أفاق من جنونه فتلاشت نواياه المستهترة. استسخف سلوكه. كلا، لن يتحدى الهواء، لن يتمادى في ارتكاب الحماقات. ستسنح فرصة فينتهزها، ستعرض تجربة فيخوضها.
وغادر المكان دون أن ينبس بكلمة أو يفعل شيئا تاركا وراءه ذهولا شاملا.
50
الأيام تتلاحق. ثمة مصير يتخايل عن بعد، ولكنه راسخ ويقترب. لا شيء يؤخر خطوته. إنه يشد عضلاته ويسل إرادته وينتظر. لماذا تتمسك بالقوة ولست عابدها الأوحد. الشيب ينتشر. أيضا التجاعيد حول الفم وتحت العينين. البصر يفقد حدته وكذلك الذاكرة.
ويزحف التغير على عجمية بسرعة أشد ودون تدرج. تفتر شهوتها للطعام ويسوء الهضم، وتصاب بآلام مجهولة في الظهر والساقين، وتهزل وتنضب، ثم تستسلم للرقاد. ماذا دهى هذه المرأة القوية؟ وتجرب الوصفة بعد الوصفة، ولكن ثمة شيئا جوهريا فقد.
ويكثر من الجلوس في القهوة تاركا الكارو لسليمان. يجتمع برجاله، يسمع الأخبار، يزن كل يوم سطوته، يمتحن في النفوس أثره وهيبته. ويقول أحد أتباعه ذات يوم: ظهر في العطوف فتوة جديد.
فيقول باستهانة: لعل القدر يعميه عن وزنه الحقيقي لنؤدبه!
وفي المساء يخلو إلى نفسه ساعة في الساحة يستمع إلى الأناشيد، ثم يسرع إلى البيت ليجلس إلى جانب عجمية، ويلاحظ بلا جهد أنها تمضي من سيئ إلى أسوأ. هل تقدر عليه الوحدة في آخر أيامه؟ كل وصفة جربت، ولكنها تمضي من سيئ إلى أسوأ.
Unknown page