250

فصل في الكلام في امتزاج النعمة والمحنة

اعلم أنه لا يوجد نعمة في الدنيا إلا وبجنبها محنة، فمن ذلك زوال النعمة فإنه محنة، ومنه ما جعل الله للعبد من الاستطاعة فإنه جعله مستطيعا للإيمان ومستطيعا للكفر، ومستطيعا للطاعة ومستطيعا للمعصية.

ومن البلية أنه عجل الدنيا الفانية، وأخر الآخرة الباقية وجعلها مغيبة خافية، قال عز من قائل: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى}[طه:15]، يريد أنه لم يجعلها مشاهدة في الدنيا ولم يبدها، وأخرها وأخبر عنها. ومعنى إخفاء الله لها أنه أخفى عينها ووقتها، ولم يخف خبرها.

ومن البلية أن الباطل قد يشبه الحق في بعض المواضع، ولا يفصل بينهما إلا ذو العلم والحجا، وذلك في مثل مسائل الاجتهاد؛ مثال ذلك الجمع بين الأختين في ملك اليمين، وقد سئل عن ذلك أمير المؤمنين فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، فغلب الحظر على الإباحة فحرمهما.

وقال عليه السلام في خطبة له: (ألا إن الحق لو خلص لم يخف على ذي حجا، وإن الباطل لو خلص لم يخف على ذي حجا، ولكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيمتزجان معا، فحينئذ يستولى الشيطان على حزبه، ونجا حزب الله الذين سبقت لهم من الله الحسنى. ألا إن الباطل خيل شمس ركبها أهلها فأرسلوا لها أزمتها فسارت حتى انتهت بهم إلى نار وقودها الناس والحجارة. ألا وإن الحق مطايا ذلل ركبها أهلها وأعطوا أزمتها فسارت بهم الهوينا حتى انتهت بهم ظلا ظليلا. فعليكم بالحق فاسلكوا سبله واعملوا به تكونوا من أهله).

Page 323