ولكنه كان قد انتهى من أمره إلى مرفأ لا يريم عنه، وكان بطبعه هادئا رزينا كتوما يبذ فيه العقل الهوى، وتتغلب لديه الحكمة على الثورة، فغالب دواعي الغضب في نفسه حتى أسكنها، وقال بهدوء غريب: إني تعب مهموم مكدود الذهن، ولولا شدة شوقي لرؤيتك ما هان علي أن أغادر أمي وهي طريحة الفراش .. فلنفرغ من هذا اللقاء ولو على مضض .. والآن اسمحي لي أن أقدم إليك هدية جميلة؛ هذا الحق العاجي .. ورجائي ألا تمسيه إلا حين خلوتك إلى نفسك في غرفتك لتحظي بالمفاجأة السعيدة في غيبة عن أعين الرقباء .. وإلى اللقاء القريب أيتها الحبيبة.
من مذكرات شاب
2 يونيو:
هذا يوم طيب، حصلت على البكالوريوس وتوج كفاحي الأول بالنجاح فتنفست الصعداء؛ لأنه من الحق أن أقول إن حياتي المدرسية كانت شاقة غير مأمونة العثار، وإني تحملتها على مضض متعوذا بالصبر، وقليل من أقراني من يصدق أن رئيس فرقة كرة القدم بالخديوية وبطل السباحة والغلام الشاطر نال البكالوريا فضلا عن البكالوريوس.
5 يوليو:
عدنا اليوم - أنا ووالدتي - من الإسكندرية بعد قضاء شهر في ضيافة عمتي، وانتقل بي الفكر إلى قريبي سعادة ش. ع. بك؛ ففي جاهه وفي منصبه سحر يفتح لي أبواب الحكومة.
6 يوليو:
زرت قريبي في قصره.
هنأني وتحدث معي مليا، ثم بغتني بهذا السؤال: «وما هو بكالوريوس اللغة الإنجليزية هذا؟» وأجبته عما يسأل عنه متذكرا قول القائل: إن أصعب التعريفات ما خص المسائل البسيطة. على أنه هز رأسه استهانة وقال لي: «كان أولى بك أن تدرس علما من العلوم، فعصرنا عصر علم وعمل، إني لأتساءل كيف يمكنني مساعدتك؟»
وقلت وأنا لا أدري: «أي وظيفة يا سعادة البك.» فضحك الرجل وقال: «لو كنت مهندسا مثلا ما وجدت مشقة في وضعك في المكان اللائق بك، ولكن ماذا تفعل الحكومة بالأدب والتاريخ؟»
Unknown page