جلس جونزاليس متشبثا بمقعده، وهو يرتجف بفعل ارتطام دفعة الهواء البارد المنبعثة من مكيف الطائرة بقميصه الذي يغمره العرق. نظر إلى حجره، كلا، لم يبل على نفسه. في الواقع لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة لم تسمح له بأن يصل إلى تلك الدرجة من الذعر.
ظهرت طائرة حربية من طراز «لوب جارو» التي تصنعها شركة ميتسوبيشي-ماكدونيل أمامهما ودارت حولهما بحركة بطيئة. كانت مطلية بلون أسود قاتم شأنها شأن الطائرة الخفيفة، لكن كان بدنها ضخما. أخذت تعلو وتنخفض بينما تدور حولهما، وكأنها طائر مفترس كسول يحلق حول طريدة سمينة بطيئة، ثم أشعلت أضواء ساطعة غمرت النافذة الزجاجية العليا لطائرتهما.
تجمد جونزاليس والطيار في ذلك الضوء المبهر.
بعد ذلك تراجعت مقصورة الطائرة اللوب جارو، وخلف الزجاج الشفاف رأى جونزاليس الطيار ذا الخوذة العاكسة، ويمتد من أسفل رقبته كابلان ملتصقان. انزلقت أجنحة الطائرة اللوب جارو إلى الأمام في حركة عكسية، ثم أخذت الطائرة وضعا رأسيا، ثم غابت عن الأنظار.
شد جونزاليس جسده في مقابل الحزام الضاغط عليه.
صاح الطيار: «ذلك الوغد!»
سأله جونزاليس بصوت خفيض مرتعش: «من هو؟ وماذا تقصد؟»
قال الطيار بصوت متوتر وقد ظهر وجهه محمرا أسفل زجاج النظارة العاكس: «القوات الجوية لميانمار. لقد نصبوا لنا فخا، واستخدمونا كطعم أمام طائرة المتمردين.» رفع الطيار نظارته وأخذ يحدق بحدة عديمة الجدوى من زجاج قمرته، كما لو كان بإمكانه اختراق الظلام بنظره، بعدها قال: «ثم انتظروا، انتظروا حتى هاجمونا.» استدار الطيار بغتة وواجه جونزاليس وقد صارت ملامحه وكأنها رسم كاريكاتيري مجنون وغاضب للرجل الذي رحب بجونزاليس منذ تسعين دقيقة وقال: «هل تعلم إلى أي مدى اقتربنا من الموت؟»
هز جونزاليس رأسه نفيا.
قال الطيار: «أجزاء قليلة من الثانية يا رجل، أجزاء قليلة لعينة من الثانية. لقد أوشكنا على الموت.» ثم أدار مقعده وسمع جونزاليس صوت آلية الإغلاق الخاصة به بينما استقر في مقعده، في الوقت الذي غمر فيه الخوف والخزي دماغه بمزيج جامح من المواد الكيميائية العصبية.
Unknown page