Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Genres
يقول الخطيب البغدادي وهو يواصل الحديث عن القضية:
25 «وحضرت مجلس حامد - الرواية على لسان زنجي وهو أحد شهود المحاكمة - وقد أحضر سفط خياذر لطيف، حمل من دار محمد بن علي القنائي - أكبر ظني - فتقدم بفتحه ففتح، فإذا فيه قدر وقوارير فيها شيء يشبه لون الزئبق، وكسر خبز جافة، وكان السمري حاضرا جالسا بالقرب من أبي، فعجب أبي من تلك القدر، وتصييرها في سفط مختوم، ومن تلك القوارير - وعندنا أنها أدهان - ومن كسر الخبز.
وسأل حامد السمري عن ذلك، فدافعه عن الجواب، واستعفاه منه، وألح عليه في السؤال، فعرفه أن تلك القدر رجيع الحلاج! وأنه يستشفي به، وأن الذي في القوارير بوله، فعرف حامد مقاله، فعجب منه من كان في المجلس!
واتصل القول في الطعن على الحلاج ... وأقبل أبي يعيد ذكر تلك الكسر ويتعجب منها، ومن احتفاظهم بها، حتى غاظ السمري ذلك، فقال له: هو ذا، أسمع ما تقول، وأرى تعجبك من هذه الكسر، وهي بين يديك، فكل منها ما شئت، ثم انظر كيف يكون قلبك للحلاج بعد أكلك ما تأكله منها، فتهيب أبي أن يأكلها، وتخوف أن يكون فيها سم.
وأحضر حامد الحلاج وسأله عما كان في السفط، وعن احتفاظ أصحابه برجيعه وبوله! فذكر أنه شيء ما علم به ولا عرفه.» (2-6) الكلمة القاتلة!
وعجزت هذه الاتهامات أيضا عن تحقيق الغرض منها، وشعر القضاة رغم التعليمات الصادرة إليهم بعجزهم عن إصدار حكم الإدانة القاتل؛ فعيون العلماء والفقهاء والصوفية ترقبهم، وصيحات الجماهير الغاضبة تخترق آذانهم، وفي أعماق قلوبهم يضج ضميرهم ويتمرد!
والوزير حامد وعصبته من وراء هذا كله، يمزقهم الغضب المرعد المجنون، ويقتلهم الحقد الأسود المرير، وقصر الخليفة يرقب المأساة، وقد تمزق أحزابا وشيعا.
فالخليفة ومعه كبير قواده وجمهرة وزرائه، يساندون حامد وعصبته من وراء ستار، بقوة وإصرار، وأم الخليفة، وحاجبه نصر القشوري، والوزير ابن عيسى يساندون الحلاج جهرة، ويرفعون الصوت عاليا بالدفاع عنه.
وكادت القضية أن تحدث انهيارا في الحكم العباسي، وتحفز الحنابلة والصوفية والشيعة وأنصار الحلاج للتمرد والانقضاض على الخلافة العاجزة الممزقة.
وصدرت الأوامر حاسمة من القصر، إلى حامد وإلى القضاة، وانتاب جو المحكمة قلق وتوتر ، وحوم حولها تهديد ووعيد، وتمشى في ساحتها ريح عاصف، يوشك أن يكون برقا ورعدا.
Unknown page