248

Hakadha Takallam Zaradusht

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

Genres

لقد طال زمن الاعتقاد بهؤلاء الأصاغر، وأولاهم الناس الصواب حتى تولوا القوة وأصبحوا يقولون بأن لا خير إلا ما يرونه هم خيرا.

إن ما يعتبر حقيقة في هذا الزمان إن هو إلا ما علمه ذلك البشير الذي نشأ بين هؤلاء الصعاليك، ذلك القديس الغريب الأطوار الذي وقف مدافعا عن قومه وهو يشهد لنفسه قائلا : «أنا هو الحق.»

إن هذا المدعي قد أفسح المجال منذ زمان طويل لهؤلاء الصعاليك؛ فتطاولوا منتصبين على أظلافهم، إن هذا القائل أنا الحق قد علمهم ضلالا عظيما.

لقد أورد قوله هذا فما تلطف أحد تلطفك بالرد عليه يا زارا؛ إذ مررت أمامه وصحت به: لا ... لا ... وألف مرة لا ...

لقد حذرت الناس من ضلاله، فكنت أول المحذرين من الإشفاق، وما وجهت خطابك للمجتمع ولا للفرد، بل وجهته لنفسك ومن هم من مرتبتك، فأنت تبدي استحياءك من خجل الآلام العظمى فتقول: «كونوا على حذر أيها الناس، إن الغمامة الواسعة تمتد من منشأ الإشفاق.»

ثم تقول: «إن المبدعين قساة، والمحبة العظمى تتعالى فوق إشفاقها.»

أي زارا، لقد كنت مدركا إنذارات زمانك عندما نطقت بهذا.

ولكن عليك أن تحاذر أنت أيضا ما فيك من إشفاق؛ لأن كثيرين خرجوا على طريقهم يقصدونك، وما أكثر الغارقين ومن جمدهم الصقيع!

ولأدعونك حتى إلى الاحتراس مني، فإنك قد حللت لغزي من وجهتي حسنه وقبحه، وعرفت من أنا وما فعلت فعرفت من ذلك ما يمكنه أن يصدمك ويصرعك.

وعلى كل، فقد وجب على الإله أن يموت؛ لأنه كان يحدق بعين نافذة لا تخفى عليها خافية فيسبر أعماق الإنسان وأغواره مستكشفا جميع ما كمن فيه من قبح وعيوب.

Unknown page