Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
احتفظوا بقوتكم، وما أكثر من يجب أن تمروا بهم متغافلين! وأحقهم بإغفالكم أولائك الزعانف الذين يخدشون آذانكم بما يتصايحون به عن الأمم والشعوب.
أعرضوا عما يهاجمون به من حجج، وعما يدافعون به من براهين ، فما أقوالهم إلا مزيج توافر حقه وباطله، ومن أصغى إليها لا يأمن ثورة غضبه، فإذا هو منقاد إلى إرسال ضرباته يمنة ويسرة في الجموع؛ لذلك سارعوا للالتجاء إلى الغابات ودعوا سيوفكم مرتاحة في أغمادها.
سيروا في طريقكم ودعوا الأمم والشعوب تتبع مسالكها، إنها لمسالك جللها الظلام فلن يلوح عليها بارق لأمل.
على تلك السبل لا يسود إلا المتاجرون بالسلع؛ حيث لا بارقة إلا من لمعان دنانيرهم، فقد انقضى عهد الملكية وما هذه الكتل التي يسمونها شعوبا لتستحق قيادة الملوك.
انظروا إلى هذه الأمم وقد أصبحت تمثل دور بائع السلع بمجموعها تروها تجمع حقيرات الأرباح من أقذار أية دمنة لاحت لها، لقد انتصبت كل أمة تترصد الأخرى وتقلدها وتدعي جميعها حرمة الجوار. فيا له عهدا سعيدا ذلك الزمان الذي كان يهب فيه شعب معلنا إرادته بأن يسود غيره من الشعوب.
أقول هذا يا إخوتي؛ لأن من حق الأفضل أن يحكم، ولأنه يريد أن يحكم، ولا تسود قاعدة غير هذه القاعدة إلا حيث لا أفضل منها يعمل بها.
22
ويل لهؤلاء الناس لو أن خبزهم يوزع مجانا عليهم، فإنهم لا يجدون من يصبون غضبهم عليه، بأي حديث يتحدثون إذا حرموا قساوة الحياة؟
إن هؤلاء الناس إلا وحوش كاسرة، في أعمالهم ترصد واختطاف، وفي أرباحهم مراوغة واحتيال، فكيف تلذ لهم الحياة إذا هي خلت من الشدة والقسوة، وهم يرون الارتقاء في التفوق على الحيوانات افتراسا ومراوغة؛ لأن الإنسان في اعتقادهم أفضل حيوان كاسر.
لقد اقتبس الإنسان صفات جميع الحيوانات؛ لذلك كانت حياته أوفر شدة عليه من حياة أية فئة منها، ولكن الإنسان لم يرتفع فوق الأطيار بعد، وويل له إذا هو تعلم الطيران أيضا؛ إذ لا نعلم إلى أي ارتفاع سيندفع بجشعه وحرصه.
Unknown page