Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
إن حالكم ليضحكني أيها الرجال، ويزيد في ضحكي أنكم لأنفسكم مستغربون، ولشد ما يكون ويلي لو امتنع علي أن أضحك من استغرابكم ولو اضطررت إلى ازدراد ما في أوعيتكم من كريه الطعام.
إنني أستخف بكم لما على عاتقي من ثقيل الأحمال، فما يهمني لو نزل عليها بعض الذباب فإنه لن يزيدها ثقلا، وما أنتم من يحملني أشد الأتعاب أيها المعاصرون.
وا أسفاه! إلى أية ذروة يجب علي أن أرتقي بأشواقي؟ فإنني أدير لحاظي من أعالي الذرى مفتشا عبثا عن مسقط رأسي وأوطاني، فأنا لا أزال في أول مرحلتي تائها في المدن أتنقل أمام أبوابها.
لقد اندفعت بعواطفي نحو رجال هذه الأيام، ولكنني ما لبثت أن تبينت فيهم قوما غرباء عني لا يستحقون إلا سخريتي، وهكذا أصبحت طريدا يتشوق إلى مسقط رأسه وأوطانه، ولا وطن لي بعد الآن إلا وطن أبنائي في الأرض المجهولة وسط البحار السحيقة؛ لذلك وجب علي أن اندفع بشراعي على صفحات المياه لأفتش عن هذا الوطن.
علي أن أكفر عن ذنبي أمام أبنائي؛ لأنني كنت ابنا لآبائي، علي أن أكفر عن حالي العتيد بكل جهودي في آتي الزمان.
هكذا تكلم زارا ...
المعرفة الطاهرة
عندما أطل القمر علي ليلة أمس خيل إلي أنه أنثى أثقلها الحبل، وكأن في أحشائها كوكب النهار، وقد جاءها المخاض وأنا أميل إلى تذكير القمر مني إلى تأنيثه وإن خلا من صفات الرجولة فإنه رائد ليل يمر على السطوح، وقد ساءت نواياه، فهو كالراهب المتدفق شهوة وحسدا يتمنى لو يتمتع بملذات جميع العاشقين.
لا، إنني لا أحب هذا الهر المتجول على مزاريب السطوح؛ لأنني أكره كل متلصص أمام النوافذ التي لم يحكم إقفالها.
إن القمر ليمر خاشعا متعبدا على بساط النجوم، وأنا أكره كل من ينساب في مشيته فلا تسمع وقعا لأقدامه، فإن خطوات الرجل الصريح تستنطق الأرض، وما يمشي الهر إلا متجسسا، وهذا القمر لا يتقدم إلا بخطوات الغدر كالهر.
Unknown page