فارتبك عرفجة في أمره وتهيب التصريح له بغرضه. وكان غرضه الأول من هذا الأمر كسب المال فباع بنته للحجاج وجاء لنصرة عدوه.
وكان محمد بن الحنفية يومئذ على الحياد وقد طلب الحجاج منه أن يبايع لعبد الملك، وطلب منه ابن الزبير أن يبايع له، فأبى البيعتين ولبث في انتظار ما يكون من أمر مكة وحصارها؛ وذلك لأنه كان عاقلا لا يجهل عجزه عن القيام بدعوة جديدة إلى بيعته هو بعد ذلك الفشل. على أنه ظل يساير عرفجة وهو لا ينوي ترك الحياد.
أما عرفجة فلم ير بدا من الإجابة فقال: «إذا لم تلهم اختيار أحد لهذه المهمة فاختر صاحب الكرسي.»
فقال محمد: «وأي كرسي؟»
فنهض عرفجة وتحول إلى باب الخيمة ونادى قنبر عبده، ثم رجع، وبعد هنيهة دخل قنبر وعلى كتفه المحفة وعليها ستار، فوضعها بين يدي محمد وخرج. فقال محمد لعرفجة: «ما هذا؟»
قال: «هذا تابوت العهد!» ثم أخرج مفتاحا ورفع الستار عن المحفة وجعل يعالجها بالمفتاح حتى فتحت فرفع سقفها وحسن ينظر ويتطاول بعنقه وهو يعجب من غدر عرفجة وخبثه. ثم ما لبث أن رآه مد يده إلى داخل المحفة وأخرج شيئا مغشي بالديباج فرفع الديباج عنه فإذا هو كرسي خشبه يلمع كالمرآة.
وتقدم عرفجة بالكرسي حتى وضعه بين يدي محمد وهو يقول: «أليس هذا كرسي الإمام علي الذي انتصر به المختار؟»
فابتسم محمد وقال: «ولكنه فشل بعدئذ.»
قال: «لقد فشل لأنه لم يخلص النية في سعيه.»
فقال محمد : «وهل تخلص أنت النية إذا ندبناك لهذه المهمة؟»
Unknown page