قالت الجارية: «قد يكون جاءك برسالة من حسن فلما لم يجدك عاد إليه بها وسافر معه، ولولا ذلك لرأيته أمس. وقد مضى يوم ونحن الآن في ضحى اليوم الثاني ولم نره.»
فقطعت كلامها وقالت: «أتظنينه إذا علم بسوء أصاب حسنا ينقل ذلك الخبر إلي ؟!» قالت: «دعي عنك هذه الأفكار وتوكلي على الله.»
وفيما هما في الحديث سمعتا وقع حوافر البغلة، فعلمتا أن أبا سمية قد عاد، وبعد قليل وصل إلى محاذاة الهودج ونادى سمية، فأطلت عليه فقال لها: «لعلي غبت عنك طويلا؟»
قالت: «نعم، وقد رأينا خياما وجمالا وخيولا فلم نفهم سبب وجودها.»
فأجابها وهو يحاول إصلاح الرسن في رأس البغلة: «إن هذا معسكر طارق بن عمرو عامل المدينة، وقد خرج برجاله وجنده قاصدا مكة.»
قالت: «ولماذا؟»
قال: «جاء بريد الحجاج بن يوسف أمس يستقدم طارقا ورجاله مددا له في حصار مكة، وعما قليل يسافرون.» قال ذلك وساق بغلته متظاهرا بأنها هي التي أسرعت من تلقاء نفسها، فانقطع الحديث. وسرت سمية بانقطاعه لتعود إلى التفكير في حسن لعلها تلتمس تعليلا يريح بالها. والمرء ميال إلى التماس مثل ذلك التعليل، والناس يتفاوتون في مقدرتهم على ذلك؛ فبعضهم إذا وقع في مصيبة هان عليه تطبيق عواطفه على تلك المصيبة فيجعل لنفسه مخرجا من سوء عواقبها ومنهم من يزيده قلقا ولكنه لا يلبث وإن طال قلقه أن يتوصل إلى حل يتوكأ عليه ريثما يرى ما يأتي به القدر.
وكانت الجارية قد رفعت أستار الهودج منذ الخروج من المدينة، فظلت سمية تسرح نظرها فيما حولها من الهضاب والبطاح وبرك الماء وغابات النخيل، وهي كأنها لا ترى شيئا لاستغراقها في عالم الخيال، فلم تنتبه إلا على رائحة الشواء، فالتفتت فإذا هي على مقربة من ثلاث خيام: اثنتين قرب الماء وواحدة منفردة بظل نخلة كبيرة. فنظرت فرأت نفسها على غير ماء العقيق، وكانت تعرفه، فتفرست فيما حولها فإذا هي ما زالت على مقربة من المدينة وخيام المعسكر ظاهرة. وتفرست في الخيام فأدركت أنها خيامهم، فاستغربت ذلك ولكنها لم تعلق عليه أهمية؛ إذ لم يكن لها رغبة في العقيق أو غيره.
وجاء الخدم فأناخوا الهودج بقرب الخيمة المنفردة، فنزلت سمية وجاريتها ودخلتا الخيمة، ثم رأت سمية أباها واقفا مع عبده على انفراد، وكانت تكره هذا العبد كرها شديدا لغلظ طبعه وفظاعة خلقته، فاستعاذت من شرهما بالله.
الفصل العاشر
Unknown page