ولكن قدر الموت منع هذا العمل الفني، ليأتي الفنان محمد صبحي، ويحقق أمنية حافظ نجيب بعد مرور ستين سنة! ومن عجائب القدر أخيرا، أن الفنان محمد صبحي تنكر فنيا في شخصية حافظ نجيب عام 2002 في مسلسل «فارس بلا جواد»، مثلما تنكر حافظ نجيب في شخصية «محمد صبحي أفندي» عام 1909 في إحدى مغامراته، عندما كان يسكن في شارع أبو السباع عند سيدة إيطالية تدعى مادلين.
5
وكأن القدر كتب على فرد منهما، أن يمثل دور الآخر!
وإذا أردنا أن نتطرق إلى مسلسل فارس بلا جواد، وعلاقته بكتاب «اعترافات حافظ نجيب»، سنجد أن شخصية حافظ في المسلسل، تختلف اختلافا كبيرا عن حافظ نجيب في اعترافاته. فالمسلسل يظهر حافظ نجيب بطلا شعبيا وقوميا، نذر حياته لمقاومة الإنجليز، وإحباط المحاولات الصهيونية في المنطقة العربية، متخذا من التنكر والهروب الدائم وعلاقاته النسائية، وسائل للوصول إلى غايته الوطنية السامية.
ورغم أن هذا الوصف بعيدا كل البعد عن حافظ نجيب في اعترافاته، إلا أن عدة أسطر قليلة جاءت في هذه الاعترافات، تشير إشارة غامضة، بأن دورا وطنيا قام به حافظ نجيب في يوم ما، أثناء مرض الزعيم مصطفى كامل، واستمر هذا الدور لفترة قصيرة بعد وفاة الزعيم! وهذه الإشارة اليسيرة، كانت الأساس الذي بني عليه الدور الوطني لحافظ نجيب في المسلسل. وبسبب الشكوك المثارة حول وطنية حافظ نجيب، وتصادمها مع ما عرف عنه بالنصب والاحتيال، نتوقف قليلا هنا لنبين حقيقة هذه الإشكالية!
جاء في اعترافات حافظ نجيب، أنه ابتعد عن زوجته الكونتس سيجريس، فوجد نفسه ضائعا لا أمل له، فأدمن الخمر أملا في نسيانها، ونسيان كل ما يحيط به من ضياع. وعندما فشل، فكر في الرهبنة عام 1908 - رغم أنه مسلم! - قائلا: «استعرضت الماضي كله فكان سلسلة من أنواع الشقاء وألوان العذاب، وحددت حالي في المجتمع، فرأيته صورة لإنسان لا تربطه بالجماعة أية رابطة، من نوع ما بين الناس وبعضهم. ليس لي أهل، ولا أقارب، ولا أصدقاء، ولا عمل منظم، ولا عقل مركز، ولا هدف، ولا استقرار، ولا أمل. فما هي قيمة الحياة في نظر هذا الإنسان؟ وما هي الضرورة التي ترغمه على البقاء وسط الجماعة، معزولا عنها؟»
6
ورغم هذا الإحباط الواضح من كلماته المريرة، والتي توحي بأنه سيقدم على الانتحار لا محالة! نجده يقول: «عقدت العزم على دخول الدير والترهب. وعرضت الأمر على بعض الزملاء، المشتغلين بالسياسة من منشئي النهضة الوطنية، فحبذوا رأيي.»
7
وهذا القول يتناقض مع نفسية حافظ نجيب في هذا الوقت، عندما اعترف بعدم وجود أية رابطة بينه وبين المجتمع، ولا يوجد له أهل أو أقارب أو أصدقاء أو عمل أو عقل أو هدف ... إلخ! فكيف يعرض أمر ترهبه على رجال السياسة؟! ومن هم هؤلاء الرجال؟!
Unknown page