إذا كنا لم نستطع الحكم على حافظ نجيب كشاعر قدير، بسبب قلة قصائده، ومحدودية أغراضها، ومساحتها الزمنية الضئيلة! فإننا نستطيع أن نحكم بقدرته الروائية، بسبب كثرة رواياته الفنية، المؤلفة والمترجمة، والتي تعكس بحق قدرة فنان روائي من الطراز الأول! وكفى بنا أن نعلم أن الكاتب العالمي نجيب محفوظ، كان في صغره يقرأ بنهم كل ما يكتبه حافظ نجيب، حيث كان من أشهر المؤلفين في هذا الوقت، بعد أن أعلن توبته. ومن أهم ما قرأه نجيب محفوظ من أعمال حافظ نجيب: روايات جونسون وميلتون توب ومغامرات حافظ نجيب.
1
وينقسم إنتاج حافظ نجيب الروائي والقصصي إلى ستة أقسام؛ الأول: رواياته الطويلة المؤلفة. والثاني: رواياته الطويلة المترجمة. والثالث: رواياته المسلسلة. والرابع: قصصه القصيرة المؤلفة. والخامس: قصصه القصيرة المتشابهة مع قصص اعترافاته. والسادس والأخير: قصصه القصيرة المستمدة من حياته، والتي لم تشتمل عليها اعترافاته.
ومن الروايات التي تندرج تحت القسم الأول، رواية بدون عنوان، نشرها جورج طنوس في كتابه «نابغة المحتالين»، تقع في حوالي مائة صفحة ص53-145، كان قد أرسلها له حافظ نجيب وهو في سجن الحضرة بالإسكندرية كي ينشرها. كما يعترف طنوس بأنه ينشرها في كتابه، دون أن يغير فيها حرفا واحدا. والرواية تبدأ أحداثها منذ عام 1895، عندما التحق الشاب عزيز بالمدرسة الحربية، ولكن الحياة لم تضحك له، فانقلب عليها وسخط على الجميع، وقام بأعمال كثيرة مشينة، انتقاما من الحياة والمجتمع.
وهذه القصة، ما هي إلا فترة من قصة حياة حافظ نجيب نفسه، عندما التحق بالمدرسة الحربية، كما جاءت في اعترافاته. ويؤكد هذا القول، طابع كتاب «نابغة المحتالين»، عندما قال في كلمته: «يخيل لي من مطالعة هذه الرواية، أن بطلها «عزيز» هو حافظ نجيب بعينه؛ لأن كثيرا من الوقائع التي حدثت فيها، حدثت لحافظ، وقد سبق له أن قص علي بعضا منها، قبل أن يأتي حادث البرنسس ألكسندرا أفيرينو، ويودع سجن الحضرة بعد ذلك.»
2
أما ثاني الروايات الطويلة المؤلفة، فهي رواية «الحب والحيلة»، وقد نشرتها مطبعة الشعب في أكثر من 160 صفحة، قبل عام 1915 تقريبا. وجاء على غلافها أنها «رواية واقعية مملوءة بالحوادث المدهشة والحيل الغريبة، بطل وقائعها حافظ نجيب»! وهكذا نعلم من البداية أن هذه الرواية، ما هي إلا فترة أخرى من فترات حياة حافظ نجيب! ولهذه الرواية أهمية خاصة، حيث تم تحويلها إلى نص مسرحي بالعنوان نفسه، قامت فرقة أولاد عكاشة بتمثيله على المسرح، وقام حافظ نجيب بتمثيل دوره فيها بنفسه! وهذا النص المسرحي كان مفقودا منذ عام 1915، حيث إنه لم يطبع حتى الآن، ولكنني وجدته مخطوطا، وقمت بنشره في هذا الكتاب، كما سيأتي ذكره. ولهذه الأهمية، يلزم علينا ذكر ملخص رواية «الحب والحيلة»، قبل الحديث عنها كمسرحية.
تبدأ أحداث الرواية في ميناء الإسكندرية عام 1905 تقريبا، حيث تقلع سفينة تحمل حافظ نجيب، وهو شاب في عمر السادسة والعشرين، ومعه صديقه خليل حداد، إلى ميناء مرسيليا. ونعلم من حوار الصديقين، أن حافظا يسافر إلى مرسيليا لسببين؛ أولهما: الهروب من مطاردة البوليس، والآخر: الذهاب إلى فرنسا لمقابلة محبوبته الملكة ناتالي، التي تعرف عليها في مصر وأحبها، أثناء رحلتها السياحية لمشاهدة الآثار الفرعونية، حيث كان حافظ مترجمها ومرشدها السياحي. ويصل حافظ إلى فرنسا، ويذهب إلى قصر الملكة ناتالي متنكرا في شخصية الخادم بنفيه، الذي جاء للعمل لديها بخطاب توصية من إحدى صديقاتها. فتوافق ناتالي على عمل بنفيه لديها، بعد أن تحذره من الخيانة؛ لأنها تعاني من خيانة جميع أعوانها في القصر.
ومن جانب آخر نجد الملك - زوج ناتالي - يعشق كاترين ابنة دي توسكا ، رئيس حراس الملك ووكيل الحزب الملكي وصديق الملك الحميم، وأن هذا العشق ذاع خبره بين الناس. كما نعلم أن كاترين لا تحب الملك، بل هي تمثل عليه الحب، رغبة منها في إرضاء أبيها من جهة، وطمعا في أن تكون الملكة المتوجة من جهة أخرى. ولتكتمل مؤامرة دي توسكا ضد الملك والملكة معا، نجده يقيم علاقة حب سرية مع الملكة ناتالي، استمرت لمدة عامين. وتشاء الظروف أن يعلم بنفيه كل هذه الأمور، فيحاول إبعاد دي توسكا عن حبيبته الملكة ناتالي بكل وسيلة ممكنة. ومن هذه الوسائل، أنه استغل فرصة إقامة حفلة تنكرية في القصر، فقام بنفسه بعمل المكياج التنكري للملكة، عندما علم أنها تريد أن تتنكر في شخصية حنة دوتريش ملكة فرنسا في عهد لويس الثالث عشر. وفي المقابل قام بنفيه بالتنكر في شخصية الكاردينال ريشيليو عشيق الملكة حنة دوتريش وعدوها اللدود؛ لأنها أحبت غيره، والذي كان يحكم فرنسا وأوروبا كلها بالعقل، في عهد لويس الثالث عشر أيضا.
ولم يكتف بنفيه - أو حافظ نجيب - بهذا، بل قام بعدة أعمال أفسدت الحفلة، ومنها قيام إحدى صديقاته بالتنكر في زي شخصية كاترين دي توسكا التنكرية، فوقع أبوها في حيرة من أمره؛ لأنه وجد فتاتين لا يعرف من منهما ابنته. هذا بالإضافة إلى قيام بنفيه بإطفاء النور، وفي الظلام قام بتبديل النوت الموسيقية للفرقة العازفة، التي عزفت لحنا من اختيار بنفيه، الذي استغل الظلام أيضا في سحب يد الملكة من دي توسكا، الذي كان يراقصها. وعندما عاد النور، وجدت الملكة نفسها تراقص الكاردينال ريشيليو أو بنفيه، وسط غيظ دي توسكا، الذي بدأ يشك في الأمر، فقام بنفيه بإطفاء النور للمرة الثانية، وهرب من باب جانبي، فاتبعه دي توسكا، ومن ثم اتبعتهما الملكة ناتالي. وفي مواجهة كلامية بين بنفيه ودي توسكا، في حضور ناتالي، ينتصر بنفيه على غريمه، من خلال مبارزة بالسيف، أدت إلى إحراج دي توسكا أمام الملكة أكثر من مرة، عندما أسقط بنفيه سيف دي توسكا مرات عديدة، حتى انتهت المبارزة بهروب دي توسكا.
Unknown page