ونظرت إلى أمانة بإعجاب وقالت: كيف تهتم بالتعليم بنت في جمالك؟
وقال لها خالها الشيخ قاسم: رأيتك في المنام وأنت ترقصين في قسم الجمالية!
وسألت مطرية أمها عن تأويل الحلم فقالت دون تردد: القسم هو الأمن والأمان، هو بيت الزوجية.
وجهزت مطرية أمانة بمهرها وثمن حليها وحلي جدتها لأبيها وما تبقى من مدخر قليل للمرحوم محمد إبراهيم، وزفت إلى زوجها بشارع الأزهر. ووضح أن الحب أظل بجناحه الأسرة الجديدة، ولكن التوافق بين الزوجين بدا من أول الأمر أنه يقتضي عناء مريرا. المسألة أن عبد الرحمن أمين آمن بسيادة الرجل، وأنها كانت شديدة الحساسية تتهول في وجدانها قرصة نملة فتخالها قرصة ثعبان. سرعان ما تبكي وتنفرد بنفسها أو تذهب من الأزهر على حارة الوطاويط. وتمضي بها مطرية لتفض الاشتباك فتتورط في الخصام. وقالت لها شقيقتها الكبرى صدرية: ليس زوج بنتك بأسوأ من زوجي ... ومع ذلك لم يدر أحد بما ينشب بيننا، لا تتدخلي بينهما ولا تميلي مع أمانة مع كل خلاف.
وعلمت راضية بذاك النقار المتجدد فاستعانت بالتعاويذ والرقى وزيارة الأضرحة، وبدا أن الحال تنذر دائما بمزيد من الشقاق حتى لاح شبح الطلاق بوجهه القبيح كالوطواط الأعمى. وضاعف من عمق المأساة أن أمانة بمجرد أن أنجبت بكرها محمد استحوذت عليها الأمومة واختفت الزوجة الجميلة أو كادت. وأنجبت بعده عمرو وسرور وهدية، وابتعد شبح الطلاق، واستمر النقار، وانطبع الوجه الجميل بطابع أسى دائم. وشرع الأبناء في التعليم مع أول جيل لثورة يوليو، وعبروا جو بيتهم الكئيب فحلقوا في سماوات من الآمال والمجد حتى غرقوا في بحر الحيرة الذي ابتلع ضحايا 5 يونيو 1967، ومضوا يستقبلون حياة عملية بعد رحيل الزعيم الأول، وفي موجة النصر والانفتاح فازوا بعقود عمل في البلاد العربية، حتى هدية لم تتخلف عن ذلك وكانت مطرية قد رحلت بدورها بعد معاناة طويلة لخيبة الأمل، بعد موت البكري ورحيل الزوج قبل الأوان، وانحراف شاذلي، وسوء حظ أمانة، وسلم عبد الرحمن أمين بالواقع بعد طعنه في السن، ونعمت أمانة بنجاح أبنائها وإن حل بها الكبر والسقام قبل الأوان. وبحكم الزمن شهدت رحيل الأعزة من الأخوال والخالات وبقية الأقارب، وقرأت كتاب الأحزان وهو يقلب صفحاته صفحة في إثر صفحة ... واستمعت إلى نبوءات الشيخ قاسم المرسلة من وراء السحب لتجري أحكامها فوق المصائر.
أمير سرور عزيز
ولد ونشأ في بيت القاضي، وكان بيت سرور أفندي يلاصق بيت شقيقه عمرو أفندي، كما كان أمير يقارب ابن عمه قاسم في سنه، وقد شارك ابن عمه في لعبه وجولاته، وانفصل عنه عقب مأساته على رغمه، وكان بخلاف إخوته قويا مع ميل إلى البدانة وحب للدعابة، وكان أشبه الجميع بعمه عمرو في رجولته وتقواه. وقد عرف ثورة 1919 كأسطورة من المظاهرات والمعارك والقصص فترعرع سعديا وطنيا مؤمنا. وحاول أن يقلد أخاه لبيب في تفوقه واجتهاده فشق طريقه بنجاح ولكن دون أخيه بمراحل. وبسبب من تقواه وروحه المحافظة على الآداب والتقاليد ساءت علاقته بأخته جميلة التي كانت تكبره بأربع سنوات، لاعتراضه على ما اعتبره تحررا في سلوكها لا يليق بسمعة الأسرة ولا بكرامة الدين. ولم ير أحد من أسرته رأيه فزادوا غضبه حتى قال له أبوه: أنت متعصب أكثر من اللازم فدع الأمر لي.
وبدخوله المرحلة الثانوية بدأ يشارك في المعارك الحزبية التي نشبت بعد رحيل سعد زغلول. اشترك في المظاهرات التي قامت احتجاجا على دكتاتورية محمد محمود، وأصابته هراوة لبث بسببها في المستشفى أسبوعين. وكان له ثلاثة أقارب من ضباط الشرطة في مراكز حساسة بالداخلية، حامد عمرو ابن عمه، وحسن محمود عطا ابن خال أبيه، وحليم عبد العظيم داود ابن عم أبيه، وتشاوروا في الأمر وكلفوا أقربهم إليه بتحذيره وترشيده. وكان حديث قدمه حامد على مسمع وشهود من سرور عمه، وعمرو أبيه. قال مخاطبا ابن عمه: اسمك على رأس قائمة سوداء في الداخلية.
فقال أمير ضاحكا - وكان الضحك عادته: لي الشرف.
فأشار ابن عمه إلى أثر الجرح في صدغه وقال: ما كل مرة تسلم الجرة.
Unknown page