162

Ḥadīth ʿĪsā b. Hishām

حديث عيسى بن هشام

Genres

الثاني :

هي التلغرافات الخصوصية.

الرابع :

علينا بالعمومية.

قال عيسى بن هشام: وما قرأ القارئ التلغرافات السياسية حتى استدار أهل المجلس حلقة يكثرون اللغط في شرحها، ويرجمون الظنون في تأويلها.

وما فيهم إلا من هو على خلاف لرأي صاحبه، وإذا هم قد عادوا إلى مثل ما كانوا فيه وقت دخولنا عليهم، ولما وجدنا الجدال يحتدم بينهم اشتعالا، خرجنا من بينهم انسلالا، وتركناهم في سياستهم يتيهون، وفي ضلالهم يعمهون.

العرس

قال عيسى بن هشام: ولما فرغنا من زيارة تلك المحافل المشهودة، والمجالس المعدودة، قلت للباشا: قد آن أن نعود إلى ما كنا فيه من الانفراد والاعتزال، ونبتعد عن مثل هذا الاختلاط والابتذال، فأجابني وهو يظهر التوقف، ويبدي التأفف: «ما بالك تقطع علي الطريق، في البحث والتحقيق؟ وما لك تحرمني السعي والاجتماع، للاطلاع على العادات والطباع؟ ولم تختار أن نقتصر على ما في الكتب والأوراق، لمعرفة الآداب والأخلاق؟ فنترك النظر للخبر، واللمس للبس، والممارسة للمقايسة، وأي الطبيبين أدق صنعا، وأكثر نفعا: الطبيب الذي يقتصر على الكتب في درس الأعضاء والأحشاء، أم الطبيب الذي يدرسها في تشريح الجثث وهي تسيل بالدماء؟ على أنه قد زال عني في هذه المدة، ما كان يعترضني من الغضب والحدة، وانقلب العسر من أمري يسرا، وغدا التقطيب بحمد الله بشرا، وصرت لا أقابل عيوب الخلق، بغير الحلم والرفق، وتعلمت أن أتحلم، ولا أتألم وأتبصر، ولا أتحسر، وأتدبر، ولا أتضجر، فأنا اليوم أتفكه بمخالطتهم وأتروح بمباسطتهم، فلم يبق لك من عذر وجيه، ترتضيه بعد ذلك وترتجيه».

وما زال الباشا يجري على هذا النمط في الشرح والبيان، ويأخذني بالبرهان في أثر البرهان، حتى ملكني بسلطان حجته، وأنزلني على حكم رغبته، وكنت دعيت فيمن دعي من الناس إلى وليمة عرس من أكبر الأعراس، فقلت له: عندي اليوم حد الكفاية، في بلوغ الغاية، فهلم إلى المحفل الذي تحتشد فيه المحافل، والمنهل الذي تتفرع عن المناهل، وسرت به منذ أرخى الظلام من سجوفه وأستاره، وبدأ في الطور الأول من أطواره، فما قربنا من قصدنا حتى وجدنا الليل هناك نهارا يتألق، وفحمة الدجى جمرة تتحرق، فدخلنا ساحة كأنها مدينة، تبرجت في يوم الزينة، فوقفنا هنيهة في وسط المزدحم، لا نجد موضعا للقدم، حتى أخذ بيدنا أحد المستقبلين بالباب، من ذوي العلامات في الثياب، فدسنا بين جماعة لم نعرف منهم أحدا، ولم يحسنوا لتحيتنا ردا، فجزيناهم على ذلك بغض الطرف، وأقمنا بينهم لا ننطق بحرف، ثم أخذنا نتلمس بأعيننا صاحب الدار، فلا نهتدي له على قرار، كأنما صنعت الوليمة في غيبته، وأقيم الاحتفال انتظارا لأوبته، أو أننا أخطأنا العرس إلى سواه، واشتبه علينا مقره ومثواه، فهممنا بالقيام والمسير، لولا أن أشار لنا بالسلام مشير، فتبيناه صديقا لنا من الخلصاء، في جمع من الفضلاء والأدباء، فقصدناهم فأفسحوا لنا بينهم مكانا رحبا، وجلسنا معهم نجتني ثمر الحديث يانعا ورطبا، وعلمنا منهم أن رب الدار في ذهول لا يدرك ما يذره وما يأتيه، وأن صاحب البيت لا يدري الليلة بالذي فيه، وأن لا تثريب عليه ولا لوم، فهو مشغول بتحية كبار القوم، ممن لم يخالطهم قبل اليوم.

الباشا :

Unknown page