قال عيسى بن هشام: وخشيت على الباشا إن أنا تركته في هذه الحال غريق أفكاره، وأسير همومه وأكداره، أن ينتويه الانتكاس ويعتريه الارتكاس،
2
والنكسة بعد البلة شر أطوار العلة، فبادرت إلى طاعته، وامتثال إشارته فاخترت له من ضواحي المدينة مكانا قصيا، ومسكنا مرضيا.
العزلة في العلم والأدب
قال عيسى بن هشام: واعتزلت بالباشا مدة من الدهر، نستملح العزلة ونستعذب عليها الصبر، ونعيش فيها عيش الحكماء، من حسن الرضاء، بحسن الاكتفاء، ونستروح راحة البعد عن هذا العالم وأذاه، وإغماض الجفون على قذاه، مؤتنسين كل الائتناس، بالوحشة من الناس، بعد الذي شهدنا من أعمالهم ورأينا، وسمعنا من أقوالهم ووعينا، وقاسينا من عشرتهم ما قاسينا:
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
إن سالمتهم حاربوك، وإن وادعتهم ناصبوك، وإن صادقتهم خانوك، وإن واثقتهم كادوك، وإن خالطتهم لا تأمن الاعتداء، وإذا مازحتهم لا تعدم الافتراء، وإذا طالبتهم بحق فإنك لا تسمع الصم الدعاء:
فلو خبرتهم الجوزاء خبري
لما طلعت مخافة أن تكادا
Unknown page