Ḥādī al-arwāḥ (Dār al-Kutub al-ʿIlmiyya)
حادي الأرواح (دار الكتب العلمية)
Publisher
مطبعة المدني
Publisher Location
القاهرة
Genres
Sufism
بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به كما كان المعنى في قوله وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء وفي قوله وما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة وفي قوله ولا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل وفي قوله لا تأخذه سنة ولا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته وأنه اكبر من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاّ﴾ فلم ينف عن موسى الرؤية ولم يريدوا بقولهم أنا لمدركون أنا لمرئيون فان موسى صلوات الله وسلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا واخبر الله ﷾ أنه لا يخاف دركهم بقوله: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى﴾ فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه فالرب تعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو أعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ فالمؤمنون يرون ربهم ﵎ بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله ﷿ بان شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله وإنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى
1 / 294