ويسارع البك قائلا: واحدا ... واحدا ... - جنيه. - ماذا؟
وتوشك آمال حمدي أن تنهار؛ إن كان يستكثر الجنيه الذي هو أجر الحمام، فأي بقشيش سيدفع؟ ولكن لا بأس ليدفع أي شيء، ومن هنا إلى آخر النهار يحلها الذي لا يغفل ولا ينام. - ماذا يا سعادة البك؟ أهو كثير؟ - لا ... لا أبدا.
ويهدأ حمدي بعض الشيء ويقول الزبون لنفسه الأمر لله، ويأخذ طريقه إلى الداخل ويخلع ملابسه، وحمدي بجواره يساعده كلما سنحت له فرصة أن يساعده، وحين يطول الصمت بعض الشيء يقول حمدي في محاولة صادقة أن يستكثر البقشيش ما أمكنه إلى ذلك من سبيل: شرفت يا سعادة البك. - كثر خيرك. - أهذه أول مرة تشرفنا فيها؟ - نعم. - ولم تأخذ حمام بخار قبل اليوم؟ - أبدا. - ستكون مسرورا جدا يا سعادة البك، تريه كونتا. ويتوقف البك لحظة عن خلع ملابسه و«يتكلم الفرنسية أيضا!» لا بد أن يكون صاحب الحمام ... ويكمل خلع ملابسه، ويستأنف حمدي حديثه: ستحس أنك إنسان جديد؛ نشاط وحيوية. سترى يا سعادة ... - إيه. عظيم.
ويفكر الزبون، لماذا يلاطفه هذا الرجل كل هذه الملاطفة؟ أليجعله يعود ثانية ليفعل ما يشاء، ليجعل من نفسه بهلوانا؟ ولكنه لن يعود. إنها مرة ولن تعود.
ويعود حمدي إلى الحديث: أتحب أن تبدأ بالبخار؟ - والله أنا لا أعرف ما يجب أن أفعله فعليك أن ترشدني. - تحت أمرك يا سعادة أفوتر سرفيس. تفضل.
ولا يملك الزبون نفسه فيسأله: هل حضرتك صاحب هذا المحل؟ - لا يا سعادة البك، إنه ملك اللوكاندة. - أنا فاهم، ولكن هل أنت الذي تستأجره من اللوكاندة؟ - نومونشير. أنا موظف في اللوكاندة.
ويقف الزبون عاريا لا يستره إلا قماط أعطاه له حمدي الذي كان يسير من خلفه. ويلوي الزبون رأسه إلى حمدي: «موظف.» ولا يكتفي بالتفكير، بل هو يقول دون وعي: موظف. - بيان سير مونشير. موظف يا سعادة البك. - وتتكلم الإنجليزية والفرنسية ... - والإيطالية وبعض الجريجية أيضا يا سعادة ...
ويدخل الزبون إلى غرفة الحمام وهو يفكر: لا بد من البقشيش إذن، ولا بد من بقشيش مرتفع. خمسون قرشا على الأقل! على الأقل! شورة سودة الله يجازيك يا سامح يا ابن عمي. منك لله. وبعد فترة يطل رأس حمدي من الباب: أتحب سعادتك أن تبقى أكثر من هذا أم تكتفي بهذا؟ - كما ترى. - يكفي هذا لأنها أول مرة. تفضل ويقوم الزبون ويمشي خلفه وهو يقول: إلى أين؟ - إلى التدليك. - آه عظيم. ومن الذي سيدلكني؟ - أنا. - أنت؟! - اختصاصي يا سعادة البك. إكسبير. سترى وتحكم بنفسك.
ويفكر الزبون: اختصاصي وإكسبير أيضا! لا يمكن أن تكفيه خمسون قرشا. وتمتد يد حمدي إلى جسم الزبون تدلك، توشك يداه أن تقولا أعطني بقشيشا، ويحس الزبون بخبرة حمدي وبيديه اللتين تعرفان تفاصيل العضلات في جسمه معرفة لا يتقنها إلا طبيب، أو على الأقل خريج من معهد التربية الرياضية. ويقول حمدي في نغمة طيبة حنون توشك أن تفضح حاجته للخمسين قرشا: مبسوط يا سعادة البك؟ فوزيت كونتا. - بيان سير. حاجة عظيمة يا أستاذ.
أستاذ! تقع الكلمة على أذن حمدي موقعا حلوا، ويحس فيها أن الرجل سيجزل له العطاء؛ لقد جعله أستاذا. وينهمك في عمله، ويسلم الرجل نفسه ليدي حمدي الخبيرتين، ويفكر فيما يمكن أن يعطيه له، خمسون قرشا، مستحيل! إنه سيجرحه لو أعطاه هذا المبلغ الهين. ماذا يمكن أن يعطيه؟
Unknown page