210

Hadarat Carab

حضارة العرب

Genres

ثم صار لكل واحد من هذه المذاهب الأربعة كثير من الشراح، ومن ذلك أن كان خليل، المتوفى سنة 1422م، شارحا للمذهب المالكي المنتشر في بلاد الجزائر، فعد كتابه الذي ترجم إلى الفرنسية مرتين، إحداهما بقلم الدكتور بيرون والثانية بقلم مسيو سغنت، أهم رسالة في الفقه المالكي.

وإذا عدوت هذه المصادر في علم الكلام الإسلامي وفي الفقه الإسلامي وجدت للأحوال التي لا تجد لها قاعدة مقررة، والتي لا يمكن القياس في أمرها، مجموعة أحكام سلطانية تعرف بالفتاوى.

وتجد بجانب الدساتير المدونة فقها قائما على العادة مختلفا باختلاف الأمكنة فدل هذا على أن الفقه الإسلامي غير مقيد بالقرآن خلافا لما يظن أول وهلة، وقد يكون للعادات من الفعل ما ليس للقانون المدون، ومن هذا نسخ القبائل البربرية لما جاء في القرآن من الأحكام في حقوق النساء في الميراث، ومن هذا أنك لا ترى عند قبائل اليمن سوى فقه قائم على العادات متغير بتغير هذه القبائل مختلف عن تعاليم النبي غالبا. قال الرحالة مسيو هاليڨي الذي ساح في اليمن حديثا: «إن لكل قبيلة اشتراعا خاصا.»

شكل 3-3: إناء عربي قديم مصنوع من النحاس.

والعقوبات تستند إلى القرآن وتفاسير القرآن أيضا، أي تقوم على مبدأ القصاص كما قامت عليه شريعة موسى، ومبدأ القصاص هذا هو المبدأ الممكن في جميع الشرائع الفطرية كما قلنا، ومما بيناه في كتابنا السابق أن حق المجازاة كان في البداءة خاصا بالمعتدى عليه، وأن الجزاء كان يفرض على المذنب أو على أسرته ما كانت الأسرة وحدة في جميع المجتمعات القديمة، وأن الثأر إذا لم يدرك من الوالد أدرك من ابنه أو حفيده ما نصت التوراة على أن الرب ينتقم «من الأبناء حتى الجيل الثالث والجيل الرابع» لذنب اقترفه الأب.

ومن فوائد القصاص أنه يقلل حوادث القتل كثيرا، ومن محاذيره أنه يؤدي إلى استمرار أعمال الثأر زمنا طويلا غالبا، ولذا رئي أن تقوم الدية التي تدفع إلى أهل المقتول مقامه أحيانا، ولذا دام هذا النظام إلى أن جاء الوقت الذي صار المجتمع يقوم فيه بمعاقبة المذنب بدلا من أن يقوم بها المعتدى عليه أو أسرته، ولكن هذا الطور الجزائي الأخير لا يكون في غير المجتمعات التي يقوم فيها نظام مركزي قوي، ونظام مركزي مثل هذا إذ لم يقم أيام محمد ظل نظام العقوبات الذي نص عليه القرآن مستندا إلى مبدأ القصاص ومبدأ الدية الفطريين، وبقي أمره سائدا ما خضع للدستور الديني بشكله القديم.

ومن ثم ترى أن ما جاء في شريعة موسى من حق القصاص القائل: إن العين بالعين والسن بالسن هو، مع مبدأ الدية الذي جاء ملطفا له، مبدأ الفقه الجزائي الأساسي في القرآن، ومع ذلك فقد أوصى القرآن بالعفو على أنه خير من الثأر، ونعد هذا تقدما عظيما ما عد الإنسان في الأدوار الفطرية عدم الانتقام عارا، وإليك مبادئ القرآن الأساسية في الجرائم وما يقابلها من العقوبات:

وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (من سورة النحل)

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (من سورة البقرة)

من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا (من سورة المائدة)

Unknown page