وليست شوارع الشرق موضوع عناية أحد، وترك أمر إزالة ما يلقى فيها من الأقذار للكلاب، والكلاب لا تترك منها شيئا، ولا صاحب لهذه الكلاب التي تشتمل كل مدينة على الألوف منها فتعيش جماعات يكون في كل حي واحدة منها، ولا يخرج كلب من حي من غير أن يمزق، ولذا ليس من الممكن أن يقتني رجل كلبا في الشرق، فإذا ما حدث أن كان له كلب وقطع معه شارعا مزقته كلاب الأحياء التي يمر منها حتما.
ويعامل الشرقيون الكلاب وجميع الحيوانات برفق عظيم، ولا ترى عربيا يؤذي حيوانا، وإيذاء الحيوان من عادة سائقي العربات في أوربة، وليس من الضروري، إذن، أن يؤلف العرب جمعيات رفق بالحيوان.
شكل 2-2: شارع في طنجة (مراكش، من صورة فوتوغرافية).
والحق أن الشرق جنة الحيوانات، وفي الشرق تراعى الكلاب والهررة والطيور ... إلخ، وتحلق الطيور في المساجد، وتوكر في أطنافها مطمئنة، وتأوي الكراكي إلى الحقول من غير أن تؤذى، ولا تجد صبيا يمس وكنا، وقد قيل لي في القاهرة بصيغة التوكيد، وهذا يؤيد ما ذكره بعض المؤلفين، إن في القاهرة مسجدا تأتيه الهررة في ساعات معينة؛ لتتناول طعامها وفق شروط أحد الواقفين منذ زمن طويل.
وجزئيات كتلك تدل على طبائع الأمة، وتدل على درجة افتقار الأوربيين إلى تعلم الشيء الكثير من حلم الشرقيين وأنسهم.
ولا يعرف الشرق من أمور العربات سوى الشيء اليسير، ولا ترى في الشرق غير طرق قليلة صالحة لسير العربات، ولا يعتمد الشرقيون في شؤون النقل إلا على الخيل والجمال والحمير، والناس في مصر يستخدمون الحمير على الخصوص، والناس في القاهرة يركبون الحمير في جولاتهم اليومية، والحمير المصرية أجمل من الحمير الأوربية التي فقدت صيتها، ولا يرى علية القوم في مصر ولا نساؤهم غضاضة في امتطائها.
شكل 2-3: دابة في القاهرة (من صورة فوتوغرافية التقطها سباه).
ولكل حمار في مصر سائق يدفعه إلى العدو بصوته أكثر مما بعصاه، ولا يطيع الحمار المصري غير سائقه، ولا يأبه لكل حث يقوم به أي سائق مؤقت آخر. (2-2) المساكن
يميل سكان المدن من العرب إلى إنشاء مساكنهم على الطراز الأوربي في الوقت الحاضر، ولذلك تصبح القصور العربية القديمة نادرة جدا.
وتشاهد أجمل البيوت المبنية على الطراز العربي في دمشق، وليس في مناظر هذه البيوت الخارجية ما يستوقف النظر على العموم، وفي داخل المنازل، لا في خارجها، تتجلى حياة الشرقيين الذين لا يضحون بشيء في سبيل المظاهر، وتدخل تلك البيوت، على العموم، من مسلك ضيق مقبب يجلس فيه الخدم، وإذا ما انتهيت منه دخلت ساحة كبيرة، وإن شئت فقل حديقة مفرشة بالرخام ومشتملة في وسطها على حوض محاط بأشجار الصفصاف والبرتقال والليمون والرمان وأنواع الرياحين التي تنشر شذاها داخل البيت، ويحيط بتلك الساحة أقسام البيت الصالحة للسكن، والتي يحتوي داخلها كل زخرف عجيب، والصورة التي التقطناها عن داخل أجمل قصور دمشق فنشرناها في فصل آخر أفصح دليل على ذلك، والوصف أعجز من أن يصور لنا ما لسقفه من الروافد الناتئة والأشكال الهندسية المجوفة التي نقش المتفننون أجمل النقوش العربية على خشبها الأرزي والحماطي،
Unknown page