فأما الدواوين فإنها كانت في الشام بالرومية، وفي العراق بالفارسية، وفي مصر بالقبطية، حتى زمن الأمويين، اللهم إلا الديوان الذي أنشأه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في المدينة، فإنه كان بالعربية، فلما برع المسلمون أيام بني أمية في معرفة الخطوط، رأوا أن الوقت جاء لتحويل هذه الدواوين من تلك اللغات الأعجمية إلى اللغة العربية، فنقلوا ديوان الشام من الرومية إلى العربية في سنة 81ه، وذكروا في ذلك حكايات يبعد تصديقها، ولكن الذي يقرب من الظن أنهم أرادوا أن يعرفوا حسابهم بأنفسهم، وأما الحكايات التي رووها من أن كاتبا من الروم احتاج إلى الكتابة فلم يجد ماء، فبال في الدواة، فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه، فغير معقول.
ولما أمر سليمان بن سعد بنقل الديوان، سأل أن يعان بخراج الأردن سنة، وهو 180000 دينار، فلم تنته السنة حتى أكمل الرجل نقل الديوان إلى اللغة العربية، وكان سرجون كاتب الملوك الأمويين، فلما رأى ذلك النقل ورآه محررا مضبوطا، اغتم وخرج من عند عبد الملك كئيبا حزينا، فلقيه قوم من كتاب الروم، فقال لهم: «اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة، فقد قطعها الله عليكم.»
وكذلك ديوان خراج السواد وسائر العراق لم يزل بالفارسية، حتى تولى الحجاج فاستكتب فارسيا، ولكي يمهد السبيل لنقله إلى العربية؛ استعمل معه رجلا اسمه أبو صالح حتى عرف أسرار الصناعة، ومات الفارسي مقتولا غيلة، فولى الحجاج أبا صالح مكانه، وتقدم إليه أن ينقل الديوان إلى العربية، فدس له أبناء الفرس على أن يظهر العجز عن هذا النقل فأبى، فقدموا له مقدارا من الذهب جسيما فأبى، وأعطاه الحجاج أجلا، فلم ينته حتى أتم عمله؛ ولذلك كان عبد الحميد بن يحيى يقول: «لله در صالح! ما أعظم منته على الكتاب!»
أما الديوان في مصر فإنه جعل باللغتين؛ أي بضم العربية إلى القبطية، فبقيتا معا زمانا طويلا تضمحل فيه القديمة شيئا فشيئا، وتقوى فيه الحديثة قليلا قليلا، حتى زالت القبطية من جميع دواوين مصر، وصارت الكتابة فيها كلها بالعربية.
فمن هذا نعلم أن ابتداء الاستدراج في النقل كان في أيام عبد الملك بن مروان، أما إتمام ذلك فكان في أيام الوليد بن عبد الملك، أتمه عبد الله أخو الوليد سنة 87ه.
وأما المسكوكات فإنها كانت رومية وفارسية، ولم يزل العرب يتعاملون بالدنانير الرومية والدراهم الفارسية وببعض دراهم حميرية قليلة حتى جاء الإسلام، فهم عمر بن الخطاب بأن يجعل الدراهم من جلود الإبل، فأظهر له الصحابة ما يترتب على ذلك من المضار، وقيل له: «إذا لا تغير» فأمسك وبقيت الحال على ذلك حتى انتهت أيام الخلفاء الراشدين، وجاء ملك بني أمية، فنازعهم إياه عبد الله بن الزبير، وبايعه الناس بمكة، فأوعز في سنة 70ه إلى مصعب بن الزبير أن يضرب دراهم إسلامية قليلة على طريقة الأكاسرة، وقيل إنه ضرب دنانير كذلك، ونقش عليها من جهة «بركة»، ومن الجهة الأخرى «الله».
ولما صفا الملك للأمويين، وجاء عبد الملك بن مروان واستعمل الحجاج على العراق، أمره بجمع هذه المسكوكات، فغيرها حتى لا يبقى أثرها مذكرا بدولة ابن الزبير التي مكثت في الحجاز واليمن سنين، ثم رأى عبد الملك من باب السياسة وتوسيع موارد الثروة، أن يضرب نقودا إسلامية؛ حتى لا تكون دولة الإسلام محتاجة إلى نقود الدول التي غلبتها وملكت بلادها، فتكون ملزمة بدفع الفائدة إليها وهي أحق بها لنفسها، فضرب في دمشق نقودا سنة 74ه، ثم أمر الحجاج فضرب نقودا بالعراق في سنة 75ه، وكتب عليها من جهة «بسم الله»، ومن الأخرى «الحجاج»، وفي سنة 76ه كتب عليها «الله أحد الله الصمد»، وسميت بالسميرية باسم سمير أول من ضربها، وكانت دار الضرب تضرب للسلطان «أي للدولة» مما يجتمع له من التبر، وخلاصة الزيوف والستوقة
5
والبهرجة،
6
Unknown page