حجرة السيدة عائشة، التي دفن فيها
صلى الله عليه وسلم ، فدخل قبره الشريف من ذلك الحين المسجد، على حين أنه لما توفي
صلى الله عليه وسلم
اختلف الصحابة في دفنه، فقال بعضهم: «ندفنه حيث كان يصلي.» فقال بعض آخر: «معاذ الله أن نجعله وثنا يعبد وهو الذي حطم الأوثان، وأزال الشرك، وأباد الأصنام من جميع جزيرة العرب.» فخاف الصحابة من دفنه في المسجد أن يكون مدعاة للرجوع إلى عبادة القبور أو من في القبور، كما كان شأن الأمم الغابرة في تنظيم الصالحين ثم مدافنهم من بعدهم، حتى تأدت الحال بالأعقاب إلى تناسي الأصل الأول، فعبدوا الأصنام والأوثان، وأشركوا بين الواحد القهار، فاتفقوا آخر الأمر على دفنه حيث مات.
وبينما كان الورع عمر بن عبد العزيز يوسع الحرم النبوي في المدينة المنورة، ويعمل بالقاعدة التي نسميها اليوم في قوانيننا ونظاماتنا بنزع الملكية للمنافع العمومية، كان الخليفة الأموي يبني مسجد دمشق المعروف بالجامع الأموي، وعند الشروع في بنائه جمع نصارى دمشق وقال لهم: إنا نريد أن نزيد في مسجدنا كنيستكم (يعني النصف الذي بقي لهم منها عند الصلح) ونعطيكم كنيسة حيث شئتم، وإن شئتم أضعفنا لكم الثمن. وذلك عملا بقاعدة نزع الملكية للمنافع العمومية التي كان عمر وعثمان أول من جرى عليها في الإسلام، فأبوا فهدم وزاد في المسجد ما أراد، وأسرف في إنفاق الأموال على عمارته، يقال إن الوليد أنفق على عمارة المسجد خراج المملكة سبع سنين، قيل وحملت إليه الحسابات بما أنفق على 18 بعيرا فأحرقها ولم ينظر فيها، وقال: «شيء أخرجناه لله، فلم نتبعه؟» وقد اقتدى به في ذلك الأمير طيبرس حينما بنى مدرسته التي بالجامع الأزهر في مصر، فضج الناس إكبارا لما أنفق الوليد، وقالوا: أخذ أموال المسلمين فأنفقها فيما لا يغني عنهم من الله شيئا.
وقيل إن عمارته لبثت تسع سنين، وكان يعمل فيه عشرة آلاف عامل، فبلغ ما أكلوه من الخضر والبقول ستة آلاف دينار.
ولقد جعل ذرع المسجد في الطول من الشرق إلى الغرب ثلثمائة ذراع، وعرضه مائتي ذراع، أما سعة صحنه فهي مائة ذراع، وأنشئ في ذلك الصحن ثلاث قباب: إحداها - وهي أكبرها - في غربيه، وتسمى قبة عائشة أم المؤمنين، حملت على ثمانية أعمدة من الرخام، مزخرفة بالفصوص والأصبغة الملونة، مسقوفة بالرصاص، والقبة الثانية في شرقيه، وهي على هيئة الأخرى، غير أنها أصغر منها، وتسمى قبة زين العابدين، والقبة الثالثة في وسطه، وهي صغيرة، من رخام عجيب، محكمة الالتصاق، قائمة على أربعة عمد من الرخام الناصع، وتحتها شباك حديد في وسطه أنبوب نحاس يمج الماء إلى علو، فيرتفع ثم ينثني كأنه قضيب لجين، وهم يسمونه قفص الماء، ويستحسن الناس وضع أفواههم فيه للشرب.
وفي الجانب الشرقي من هذا الصحن باب يفضي إلى مسجد بديع الوضع، يسمى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ويقابله من الجهة الغربية موضع يقال إن عائشة - رضي الله تعالى عنها - سمعت الحديث هناك، وفي قبلة المسجد المقصورة العظمى التي يؤم فيها إمام الشافعية، وفي الركن الشرقي منها إزاء المحراب خزانة كبيرة كان فيها المصحف الكريم الذي وجهه أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - إلى الشام، وتفتح تلك الخزانة كل يوم جمعة بعد الصلاة، فيزدحم الناس على لثم ذلك المصحف، وهناك يحلف الناس غرماءهم ومن ادعوا عليه شيئا، وعن يسار المقصورة محراب الصحابة، وفيه يؤم إمام المالكية، وعن يمين المقصورة محراب الحنفية، وفيه يؤم إمامهم، ويليه محراب الحنابلة، وفيه يؤم إمامهم.
ورفع سقف المسجد على أعمدة من الرخام مؤلفة من طبقتين: الطبقة التحتانية أعمدة كبار، والفوقانية أعمدة صغار، وفي خلال ذلك صورة كل مدينة وشجرة في الدنيا عرفها الصناع، مصورة بالذهب والفسيفساء، وهي فصوص من ذهب يخالطها أنواع الأصبغة الغريبة الحسن، وهي معروفة بالفص والتفصيص وبالزليج، وقد عرفت بذلك عند أهل إسبانيا فقالوا أزوليخو
Azulejo ، واسمها عند الفرنسيس
Unknown page